ودرس أَيْضًا بالمعرة مدة، وأفتى مدة طويلة، وولي قضاء حماة وأعمالها سنة إحدى وَخَمْسِينَ وستمائة، ولم يزل قاضيا إِلَى أن مَاتَ، وَكَانَ مفننا يعرف التفسير، والحديث، والفقه، والأصولين، والنحو، ويحفظ كثيرا من الرقائق، وَكَانَ يكرر عَلَى نحو الثلث من كتاب نهاية المطلب فِي الفقه، وقيل: إنه كرر عَلَى الجميع، وَكَانَ رقيق القلب، سريع الدمعة، يصوم الدهر، ويقوم الليل، مع كبر السن، ولا يفرط في شيء من أوقاته، قد وطف على نفسه أورادا من العبادة ليلا ونهارا، واختصر فِي آخر عمره من لباسه، فكان يلبس عَلَى رأسه بطانة من الخام آذرعا يسيره، بذؤابة لطيفة، ولم يزل عَلَى ذلك إِلَى أن تُوُفِّيَ إِلَى رحمة اللَّه تَعَالَى فِي العشرين من شعبان سنة تسع وَسِتِّينَ وستمائة بمدينة حماة، ودفن بداره بالسوق الأسفل، وقد بلغ من العمر تسعين سنة، ولما تُوُفِّيَ كنت مع الجيش عَلَى حصن الأكراد، وَكَانَ قدومي فِي هَذِهِ المرة من الديار المصرية إِلَى حماة لرؤيته، وزيارة والدي رضي اللَّه عنهما، فإني كنت قرأت عليه جميع كتاب التنبيه، دروسا وانتفعت بِهِ وصحبته، ومما حفظته مِنْهُ هَذَا الدعاء: اللهم فرغنا لما خلقتنا