الحمد لله الَّذِي من علينا بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورزقنا اتباعه، وجبل قلوبنا عَلَى حب التقرب إليه بالطاعة، وحبب إلينا اقتفاء السنة، ولزوم الجماعة، وأشهد أن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك لَهُ، شهادة أدخرها لليوم الآخر أعظم بضاعة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الَّذِي أطاع اللَّه من أطاعه، أرسله بالهدى ودين الحق، فلا تزال طائفة من أمته ظاهرين عليه إِلَى قيام الساعة صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة تعم آله وصحبه وأشياعه، وبعد:
فلما كَانَ علم الحديث أجل علم، وصناعته أشرف صناعة، وَكَانَ مما اختص اللَّه بِهِ هَذِهِ الأمة أن حبب إليهم نقله، وروايته، وسماعه، وحفظه - سبحانه - بالأئمة الأعلام عَلَى تطاول الأعوام من الإضاعة، وَكَانَ أجل من بقي منهم شيخنا الإِمَام العلامة قاضي القضاة، خطيب الخطباء ذو البراعة الَّذِي جمع بين المنقول والمعقول، وتفرد فِي عصرنا باقتفاء سنن الرسول، حتى اضمحل لديه حاصل ذي محصول، وانتمى إليه كل صاحب مخبرة وبراعة، بدر الدين أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن الشَّيْخ الإِمَام الزاهد القدوة الأوحد، ذي المآثر والكرامات المشهودة بكل مشهد، برهان الدين أَبِي إسحاق إبراهيم بْن سَعْد اللَّه بْن جماعة أيد اللَّه علوه، وخلد ارتفاعه، وأدام لكل مسلم بحياته أمتاعه، فإنه رحل بنفسه إِلَى الْمِصْرَيْنِ، وحصل شيوخ الإقليمين، ولم