للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا قال تعالى للذين تضجروا وتزلزلوا واضطربوا في أمرهم يوم الأحزاب {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] أي هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم (١) والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم هو: أن نفعل مثلما فعل على الوجه الذي فعله، من وجوب أو ندب، وأن نترك ما تركه، أو نهى عنه من محرم أو مكروه، كما يشمل التأسي به التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك فالتأسي والاقتداء شامل لكافة أمور الدين.

فإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم قولا قلنا مثل قوله، وإذا فعل فعلا فعلنا مثله، وإذا ترك شيئا تركناه فيما لم يكن خاصا به، وإذا عظم شيئا عظمناه، وإذا حقر شيئا حقرناه، وإذا رضي لنا أمرا رضينا به، وإذا وقف بنا عند حد وقفنا عنده ولم يكن لنا أن نتقدم عليه أو نتأخر عنه.

وبالجملة فإن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم هو تجريد متابعته والتلقي عنه وحده فكما أن الرب سبحانه واحد فالرسول الذي أمرنا باتباعه واحد فهما توحيدان: توحيد المرسل وهو الله سبحانه وتعالى، وتوحيد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وبدون هذا لا يصير المسلم مسلما. ذلك هو الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وهو المعيار الذي ينبغي أن توزن به أفعال الناس وأقوالهم وعقائدهم وسائر أمورهم. وطريق التأسي به مبنى على العلم بهديه صلى الله عليه وسلم في كافة أمور الدين والعمل به.

وقد وعت دواوين السنة وكتب السير والشمائل كافة أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وسجاياه وأخلاقه وكل ما يتصل به من قريب أو بعيد وحفظت ذلك أتم حفظ.

وقام أولو العلم في كل عصر بتقريب الناس من هذا الهدى النبوي الشريف


(١) تفسير ابن كثير، ٣ / ٤٧٥.

<<  <   >  >>