للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعدي الحدود يشمل الإفراط والتفريط، لكن أكثر ما يطلق على الإفراط ومجاوزة الحد، قال تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٢٩] (١) وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: ٥٥] (٢) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: ٨٧] (٣) وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء» (٤) .

أي أنهم يتجاوزون حدود الطهور بالزيادة فيه والدعاء بالإخلال بشروطه، فمن تجاوز حدود الشريعة فقد خرج عنها إلى غيرها مما زينه له الشيطان كما قال بعض السلف: " ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط، وإما إلى مجاوزة- وهي الإفراط- ولا يبالي بأيهما ظفر زيادة أو نقصان (٥) ولأجل هذا أمرنا الله بلزوم الصراط المستقيم، وأن نسأله كل صلاة أن يهدينا إليه. في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] (٦) وقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣] (٧) ونهي الله عن تعد الحدود ومجاوزتها، والتقدم بين يدي الله ورسوله حتى لا يزاد في دين الله بالأهواء. وعدم الوقوف عند حدود الشريعة أنتج في الأمة صنوفا من البدع وضروبا من الغلو وألوانا من الخروج على الدين ما كان لها أن توجد لولا مجاوزة هذه الحدود. فأصاب الدين وأهله من المبتدعة والغلاة شر كثير.


(١) سورة البقرة، آية (٢٢٩) .
(٢) سورة الأعراف، آية (٥٥) .
(٣) سورة المائدة، آية (٨٧) .
(٤) أخرجه أحمد في مسنده. من حديث عبد الله بن مغفل، ٤ / ٨٦، ٨٧، والحاكم في المستدرك، ١ / ٥٤٠، وصححه ووافقه الذهبي.
(٥) انظر: مدارج السالكين ٢ / ١٠٨.
(٦) سورة الفاتحة، آية (٥) .
(٧) سورة الأنعام، آية (١٥٣) .

<<  <   >  >>