للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهب الآخر فاختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم، وظهر في كلام المتصوفة القول بالقطب ومعناه رأس العارفين يزعمون أنه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله ثم يورث مقامه لآخر من أهل العرفان. وقد أشار إلى ذلك ابن سينا في كتاب الإشارات في فصول التصوف منها فقال: جل جناب الحق أن يكون شرعة لكل وارد أو يطلع عليه إلا الواحد بعد الواحد.

وهذا كلام لا تقوم عليه حجة عقلية ولا دليل شرعي وإنما هو من أنواع الخطابة وهو بعينه ما تقوله الرافضة ودانوا به.

ثم قالوا بترتيب وجود الأبدال (١) بعد هذا القطب كما قاله الشيعة في النقباء (٢) .

حتى إنهم لما أسندوا لباس خرقة التصوف ليجعلوه أصلا لطريقتهم وتخليهم رفعوه إلى علي رضي الله عنه وهو من هذا المعنى أيضا وإلا فعلي رضي الله عنه، لم يختص من بين الصحابة بتخلية، ولا طريقة في لباس ولا حال، بل كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أزهد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم عبادة ولم يختص أحد منهم في الدين بشيء يؤثر عنه في الخصوص بل كان الصحابة كلهم أسوة في الدين والزهد والمجاهدة) (٣) .


(١) الأبدال جمع بدل واختلف في عدتهم فقيل سبعة وقيل ثلاثون وقيل أربعون كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلا.
وقد ورد فيهم حديث ضعيف منقطع الإسناد عن علي رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم " الأبدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف بهم من أهل الشام العذاب " (المسند، ١ / ١١٢) . وأخرج الإمام أحمد بسنده عن عبادة بن الصامت مرفوعا: " الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل كلما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلا، قال الإمام أحمد عقبه: حديث منكر (المسند، ٥ / ٣٢٢) وأحاديث الأبدال كلها موضوعة أو واهية منكرة لا تثبت بمثلها حجة. انظر: السلسلة الضعيفة للألباني، ٢ / ٣٣٩- ٣٤١.
وانظر لنقد فكرة الأبدال. مجموع فتاوى ابن تيمية، ١١ / ٤٣٣ وما بعدها.
(٢) النقباء جمع نقيب وهو السيد المطاع في قومه وقد كانوا في بني إسرائيل اثنا عشر نقيبا على عدد الأسباط، لقوله تعالى: ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا المائدة، آية (١٢) وحينما بايع الرسول صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة جعل عليهم اثني عشر نقيبا يتولون أمر الدعوة بين أهليهم وعشيرتهم.
والشيعة الإمامية الاثنا عشرية قالوا بإمامة اثني عشر من آل البيت عدتهم كعدة نقباء بني إسرائيل.
فمن هنا شاع على الأئمة لفظ النقباء.
(٣) مقدمة ابن خلدون، طبع المكتبة التجارية الكبرى، القاهرة، ص ٤٧٣.

<<  <   >  >>