للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علاقته بخالقه سبحانه وتعالى قول قديم جدا عرفه الفكر الفلسفي الوثني، وعن طريقه انتقل إلى أهل الأديان من يهود ونصارى، ثم انتقل إلى المتصوفة عن طريق ابن عربي الذي حاول جهده أن يصبغه بصبغة إسلامية (١) . ولم يكن هذا المذهب قد أخذ صورته الكاملة في المحيط الصوفي قبل ابن عربي الذي قرر مذهب وحدة الوجود في صورته النهائية ووضع له مصطلحا صوفيا كاملا استمده من كل مصدر وسعه أن يستمد منه، كعلم الكلام والفلسفة اليونانية والأفلاطونية الحديثة والغنوصية المسيحية وغيرها من الفلسفات، كما أنه استفاد من تراث متصوفة الإسلام المتقدمين عليه سواء منهم من كان في الأندلس أو في المشرق، كما اعتمد على الأحاديث الموضوعة وتأويلات الشيعة الباطنية للشريعة ونصوصها. ولكنه صبغ هذه المصطلحات والفلسفات بصبغته الخاصة وأعطى لكل منها معنى جديدا يتفق مع روح مذهبه العام في وحدة الوجود (٢) .

ويقوم مذهب ابن عربي في وحدة الوجود على أساس أن الوجود كله- بما فيه ومن فيه- واحد هو الله، وأن ما يوجد في الكون من مخلوقات فوجودها خيال أو وهم أو ظل بالنسبة لوجود الله (٣) . فالوجود عند ابن عربي كله واحد هو الله، والكثرة التي تشهدها الحواس إنما هي مجرد صور ومظاهر ومجال تتجلى فيها الصفات الإلهية. وليس هناك فرق حقيقي بين الوحدة والكثرة، أو بين الحق والخلق إلا من حيث الاعتبار والجهة أو النسب والإضافات أو الأسماء والصفات. فالحقيقة الوجودية واحدة في ذاتها متكثرة بصفاتها وأسمائها، فالله حق في ذاته، خلق من حيث صفاته، وصفاته عين ذات، فالخلق عين الحق، والحق هو الخلق (٤) . فالله- تعالى وتقدس- عند


(١) انظر: الفلسفة الصوفية في الإسلام، ص٤٩٧ وما بعدها.
(٢) انظر: مقدمة فصوص الحكم لابن عربي. تقديم وتعليق أبو العلا عفيفي نشر دار الكتاب العربي بيروت، ص٧.
(٣) انظر: فصوص الحكم، ص ١٠١ وما بعدها.
(٤) انظر: مقدمة النصوص، ص ٢٩.

<<  <   >  >>