للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ناقته: " ألقط لي حصى " فلقطت له سبع حصيات، هن حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول: " أمثال هؤلاء فارموا " ثم قال: " يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (١) .

قال ابن تيمية في شرح هذا الحديث:

(وقوله: «إياكم والغلو في الدين» عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال. والغلو: مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق، ونحو ذلك، والنصارى أكثر غلوا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف.

وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: ١٧١] (٢) .

وسبب هذا اللفظ عام: رمي الجمار. وهو داخل فيه، فالغلو فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار، ونحو ذلك. بناء على أنه أبلغ من الحصى الصغار ثم علل ذلك: بأن ما أهلك من قبلنا إلا الغلو في الدين كما نراه في النصارى. وذلك يقتضي: أن مجانبة هديهم مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه أن يكون هالكا) (٣) .

ومنها ما أخرجه البخاري بسنده عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم. فإنما أنا عبده. فقولوا عبد الله ورسوله» (٤) .

ففي هذا الحديث تحذير واضح لهذه الأمة من الإطراء في مدحه - صلى الله عليه وسلم - حتى لا يفضي ذلك إلى الغلو فيه كما غلت النصارى من قبل في عيسى بن مريم عليه السلام.

والنهي عن الإطراء في هذا الحديث يحتمل أمرين:


(١) سبق تخريجه، ص ١٤٧.
(٢) سورة النساء، آية (١٧١) .
(٣) اقتضاء الصراط المستقيم، ١ / ٢٨٩ - ٢٩٠.
(٤) سبق تخريجه، ص ٢٤.

<<  <   >  >>