للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- إما النهي عن مطلق المدح والاقتصار على وصفه بأنه عبد الله ورسوله.

- وإما النهي عن المبالغة في المدح لئلا يؤدى ذلك إلى وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصفات الألوهية. ولكلا الأمرين ما يؤيده من الأحاديث (١) .

وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث منزلته التي أنزله الله إياها، وهي مرتبة العبودية لله، عز وجل، ثم مرتبة الرسالة التي اصطفاه الله لها.

فأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته أن تصفه بالعبودية والرسالة ولا تتجاوز ذلك إلى غيره من الأوصاف التي تتضمن الإطراء المنهي عنه.

ومع أن هذا الحديث حجة قاطعة في النهي عن الإطراء وسد باب الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن الغلاة حاولوا تأويل هذا الحديث بما يبطل معناه ويؤدى إلى نقيضه، فزعموا أن الإطراء المنهي عنه في هذا الحديث هو إطراء مشابه لإطراء النصارى لعيسى، ووصفهم له بصفات الألوهية والربوبية وقولهم عنه أنه الله أو ابن الله. وما سوى ذلك من أنواع الإطراء فليس بمذموم بل هو مستحب (٢) .

فأجازوا إطراء الرسول - صلى الله عليه وسلم - بما دون وصفه بصفات الألوهية والربوبية. وظنوا أن هذا من قبيل التعظيم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

كما قال البوصيري في البردة:

دع ما ادعته النصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

فانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ... وأنسب إلى قدره ما شئت من عظم

فإن فضل رسول الله ليس له ... حد فيعرب عنه ناطق بفم (٣)

وهذا جهل واضح بمعنى الحديث ومقصود الرسول - صلى الله عليه وسلم - به لأن معناه النهي عن المدح أصلا، أو النهي عن المبالغة فيه.

ثم إن تعظيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يكون إلا بما شرعه، ووصفه ومدحه بدون قيد قد يدخل في أنواع من الشرك


(١) انظر: التوسل. أنواعه وأحكامه. للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط٥، المكتب الإسلامي، بيروت، ١٤٠٤ هـ، ص ٨٨ - ٨٩.
(٢) انظر الجوهر المنظم في زيارة القبر النبوي لابن حجر الهيتمي ص ٦١.
(٣) ديوان البصيري ص١٩٣.

<<  <   >  >>