للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الخطابي:

(وإنما منعهم - فيما نرى - أن يدعوه سيدا، مع قوله «أنا سيد ولد آدم» ، وقوله للخرزج «قوموا إلى سيدكم» - يريد سعد بن معاذ - من أجل أنهم قوم حديثو عهد بالإسلام، وكانوا يحسبون أن السيادة بالنبوة كما هي بأسباب الدنيا، وكان لهم رؤساء يعظمونهم، وينقادون لأمرهم، ويسمونهم السادات، فعلمهم الثناء عليه وأرشدهم إلى الأدب في ذلك، فقال: «قولوا بقولكم» يريد قولوا بقول أهل دينكم وملتكم، وادعوني نبيا ورسولا، كما سماني الله - عز وجل - في كتابه، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال: ٦٤] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: ٤١] ولا تسموني سيدا كما تسمون رؤساءكم وعظماءكم ولا تجعلوني مثلهم، فإني لست كأحدهم، إذ كانوا يسودونكم بأسباب الدنيا وأنا أسودكم بالنبوة والرسالة، فسموني نبيا ورسولا (١) .

فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه أن يواجهوه بالمدح لئلا يفضي ذلك إلى الغلو، وأخبر أن مواجهة المادح للممدوح بمدحه - ولو بما فيه - من عمل الشيطان لما يقتضيه المدح والإطراء من تعاظم الممدوح في نفسه وهذا ينافي التوحيد، لأنه يدخل في النفس الكبر والعجب المفسد للاعتقاد والعمل.

كما في الحديث القدسي «الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئا منهما قذفته في النار» (٢) .

وفي الحديث «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (٣) .

وهذه الآفات سببها محبة المدح، لأجل هذا كره الرسول - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه أن يواجهوه بالمدح والإطراء حتى لا ينافي هذا عبوديته الخالصة لربه، فمقام العبودية يقتضي كراهية المدح أصلا، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أكمل الله له مقام العبودية صار يكره أن يمدح صيانة لهذا المقام، وأرشد الأمة إلى ترك


(١) معالم السنن للخطابي، ٥ / ١٥٥.
(٢) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب ما جاء في الكبر، ٤ / ٣٥٠ - ٣٥١. وبنحوه أخرجه مسلم مرفوعا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب البر. باب تحريم الكبر، ٤ / ٢٠٢٣.
(٣) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر، ١ / ٩٣.

<<  <   >  >>