للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك نصحا لهم، وحماية لمقام التوحيد من أن يدخل عليه ما يفسده من الشرك ووسائله {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: ٥٩] (١) . ورأوا أن فعل ما نهاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن فعله قربة من أفضل القربات، وحسنة من أعظم الحسنات (٢) .

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل» دليل قاطع على كراهية الرسول للمدح بما سوى العبودية والرسالة وأخبر أن هذه هي منزلته الحقيقية التي أنزله الله إياها، وهذا مما يبين أن الغلاة قد سلكوا في غلوهم مسلكا لا يحبه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولا يرضاه بل نهي عنه في مواقف كثيرة.

وقد أنكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على من قال له ما شاء الله وشئت فقال له: «أجعلتني والله عدلا بل ما شاء الله وحده» (٣) كما أنكر على معاذ - رضي الله عنه - حينما هم أن يسجد له (٤) ومعاذ إنما قصد بذلك تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم -، لكن النبي أنكر عليه ذلك لأنه لا ينبغي السجود إلا لله وحده، فكل من عظم الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بما لم يشرعه فقد غلا فيه وإن ظن أنه بذلك معظما.

ومن هذا الباب نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن اتخاذ قبره عيدا ومسجدا حتى لا تقع الأمة في الشرك. فحقق الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته التوحيد وسد كل الذرائع إلى الشرك وقطع أسبابه والتي من أعظمها الغلو فيه، لأجل هذا كان الغلو في الرسول - صلى الله عليه وسلم - محرما لأنه يفضي إلى الشرك والكفر، ولما يتضمنه هذا الغلو من القدح في مقام الألوهية وتفرد الله بصفات الربوبية.

ولأن فيه تنقيصا للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأن كماله في عبوديته لربه كما يتضمن الكذب عليه لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ما دعا الخلق إلا إلى إفراد الخالق بالعبادة، ولم يدعهم


(١) سورة البقرة، آية (٥٩) .
(٢) انظر: تيسير العزيز الحميد، ص٧٣١ - ٧٣٣.
(٣) سبق تخريجه، ص ٨٩.
(٤) انظر المسند، ٤ / ٣٨١، ٥ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

<<  <   >  >>