للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم، وهم أهل البدع.

وليس المراد بالسبل: المعاصي، لأن المعاصي - من حيث هي - لم يضعها أحد طريقا تسلك دائما للتعبد. وإنما هذا الوصف خاص بالبدع والمحدثات.

فعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: « (خط لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطا بيده ثم قال هذا سبيل الله مستقيما قال ثم خط عن يمينه وشماله ثم قال هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: ١٥٣] » (١) .

قال مجاهد في قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: ١٥٣] قال: البدع والشبهات (٢) ومن الآيات التي استدلوا بها قوله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: ٩] (٣) فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائر عن الحق، أي منحرف عنه إلى طرق البدع والضلالات والمعاصي.

وعن مجاهد: {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: ٩] أي المقتصد منها بين الغلو والتقصير وذلك يفيد أن الجائر هو الغالي أو المقصر، وكلاهما من أوصاف البدع.

ومن الأدلة الواردة في القرآن مما يدل على ذم المبتدعين قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] (٤) فهذه الآية تبين حال الزائغين عن اتباع الحق، وذلك باتباعهم لما تشابه من الكتاب. بقصد الفتنة في الدين وما ذاك إلا بسبب زيغ في قلوبهم وفساد في أفهامهم.

وهذا صنيع أهل البدع لأنهم يتركون محكم الكتاب ويتمسكون بمتشابهه،


(١) المسند، ١ / ٤٦٥، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، ٢ / ٢٣٩.
(٢) تفسير الطبري، ١٢ / ٢٢٩.
(٣) سورة النحل، آية (٩) .
(٤) سورة آل عمران، آية (٧) .

<<  <   >  >>