للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ورد في الحديث ما يفسر الآية ويحذر من المبتدعة وأشباههم فقد أخرج البخاري بسنده «عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: ٧] إلى قوله: {أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: ٧] قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) » (١) .

وأخرج الآجري بسنده عن طاووس قال: (ذكر لابن عباس - رضي الله عنهما الخوارج - وما يصيبهم عند قراءة القرآن؟ (٢) فقال - رضي الله تعالى عنه: " يؤمنون بمحكمه ويضلون عن متشابهه. وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون: آمنا به ") (٣) ولا شك أن الخوارج كانوا أوائل المبتدعة، وكانت تلك سمتهم وسمة من أتى بعدهم من أهل البدع على اختلاف بدعهم (٤) وهي التمسك بالمتشابه وترك المحكم لزيغ في القلب.

وهذه الآيات قد تضمنت ذم الابتداع وأهله بطريق الإجمال ولم تخصص نوعا من البدع أو المحدثات دون نوع أو قسما دون قسم بل هي عامة، يستفاد منها ذم البدع مطلقا.

وبعد أن استعرضنا بعض الآيات التي تشير إلى ذم البدعة وأهلها ننتقل إلى السنة لاستعراض الأحاديث التي استدل بها القائلون بذم البدع مطلقا. فمن ذلك ما أخرجه أحمد وغيره عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: «صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. فقال: " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه


(١) صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ) ٦ / ٤٢.
(٢) أي ما يعتريهم من غلبة البكاء عند قراءة القرآن. والله أعلم.
(٣) الشريعة ص٢٧.
(٤) انظر الاعتصام، ١ / ٥٦ - ٥٧.

<<  <   >  >>