للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر بكتابة القرآن، ولا فرق بين أن يكتب مفرقا أو مجموعا بل صار جمعه أصلح (١) وأيضا فجمع القرآن راجع إلى حفظ الشريعة، والأمر بحفظها معلوم، وراجع إلى سد الذريعة إلى وقوع الاختلاف في القرآن، وقد علم النهي عن الاختلاف في القرآن، بنصوص الشرع المستفيضة (٢) .

ويرى ابن تيمية أن جمع القرآن لم يخرج عن كونه سنة، لأن السنة - بمعناها الواسع - هي ما قام الدليل الشرعي على أنه طاعة لله ورسوله، سواء فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو فعل في زمانه أو لم يفعله في زمانه لعدم المقتضى حينئذ لفعله، أو وجود المانع منه، وإذا ثبت أنه أمر به أو استحبه فهو سنة، كما أمر بإجلاء اليهود والنصارى من جزيرة العرب، وكما جمع الصحابة القرآن في المصحف، وداوموا على قيام رمضان في المسجد جماعة. وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه» (٣) فشرع كتابة القرآن، وعلى ذلك فكتابة القرآن مشروعة لكن لم يجمعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مصحف واحد لاحتمال نزول آيات أو سور أو احتمال نسخ لبعض آياته.

فلأجل هذا الاحتمال لم يمكن جمعه في مصحف واحد حتى مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٤) فقام أبو بكر - رضي الله عنه - بجمعه وقام عثمان - رضي الله عنه - بجمع الناس على مصحف واحد، وأجمع الصحابة على ذلك فصار إجماعهم دليلا شرعيا. وأما تدوين السنة والعلوم الشرعية فهو من باب تبليغ الشريعة. وقد ورد الأمر بذلك والحث عليه. فقال - صلى الله عليه وسلم - «ليبلغ الشاهد منكم الغائب» (٥) وقال: «بلغوا عني ولو آية» (٦) .


(١) انظر: جامع العلوم والحكم، ص ٢٣٤.
(٢) انظر: الاعتصام، ٢ / ١١٧.
(٣) صحيح مسلم. كتاب الزهد. باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم ٤ / ٢٢٩٨ - ٢٢٩٩.
(٤) انظر مجموع الفتاوى، ٢١ / ٣١٧ - ٣١٨.
(٥) صحيح البخاري. كتاب العلم. باب ليبلغ الشاهد الغائب، ١ / ٣٧.
(٦) سبق تخريجه، ص ١٣٠.

<<  <   >  >>