للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(المراد بالحب هنا الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس، كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله.

فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهي إلا بما فيه صلاح عاجل أو خلاص آجل- والعقل يقتضي رجحان ذلك- تمرن على الائتمار بأمره حيث يصير هواه تبعا له، ويلتذ به التذاذا عقليا، إذ الالتذاذ العقلي: إدراك مما هو كمال وخير من حيث هو كذلك) (١) .

وقد تعقبه صاحب كتاب تيسير العزيز الحميد بقوله:

(. . . . كلامه على قواعد الجهمية ونحوهم من نفي محبة المؤمنين لربهم ومحبته لهم والحق بخلاف ذلك، بل المراد في الحديث أن يكون الله ورسوله عند العبد أحب إليه مما سواهما حبا قلبيا.

. . . . وأما مجرد إيثار ما يقتضي العقل رجحانه وإن كان على خلاف هوى النذر كالمريض يعاف الدواء بطبعه فينفر عنه.

. . . . فهذا قد يكون في بعض الأمور علامة على الحب ولازما له. لا أنه الحب) (٢) . ثم إن إدراك العقل للكمال أو الخير أو أي معنى من المعاني الفاضلة لا يكفي حتى نسميه حبا، بل لا بد مع ذلك من الميل القلبي والتعلق النفسي.

وتمثيله حال من آثر محبة الله ورسوله- وإن كان على خلاف هوى النفس- بحال المريض مع الدواء المر- الذي تعافه نفسه ويميل عقله إلى تناوله- تمثيل غير مناسب وغير لائق أيضا.

لأن من كانت محبته لله ورسوله كمحبة المريض للدواء المر جدير بأن يقال أنه وجد مرارة الإيمان لا حلاوته.


(١) فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ط دار المعرفة بيروت ١ / ٦٠- ٦١.
(٢) تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد. للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب. ط٣، طبع المكتب الإسلامي. بيروت، ١٣٩٧هـ، ص٤٧٦، ٤٧٧.

<<  <   >  >>