وفي رسالة يوحنا الأولى ٤ / ١٢:(الله لم ينظره أحد قط) .
فثبت من الفقرات السابقة أن الله تعالى ليس له شبيه، وأن رؤية الله في الدنيا غير واقعة، وأن من كان مرئيا لا يكون إلها قط ولو أطلق عليه في كلام الله أو الأنبياء أو الحواريين لفظ (الله) أو (رب) ؛ لأنه لا يجوز الأخذ بالفقرات المخالفة للبرهان العقلي وترك الفقرات السابقة التي مضمونها مطابق للبرهان العقلي، فقد ورد في مواضع غير محصورة من كتب العهدين إطلاق لفظ (إله) على الملك وعلى موسى وعلى قضاة بني إسرائيل وعلى الإنسان الكامل، بل وعلى آحاد الناس وعلى الشيطان الرجيم، وذلك لأنه يكون لإطلاق مثل هذا اللفظ على غير الله تعالى وجه مناسب لكل محل، ويدل سوق الكلام على ذلك الوجه بحيث لا يشتبه على الناظر في بادي الرأي، فلا يجوز لعاقل أن يستدل بإطلاق هذا اللفظ على بعض بني آدم أنه إله أو ابن الله، وينبذ وراءه جميع البراهين العقلية القطعية وكذلك البراهين النقلية الصحيحة.
الأمر الرابع: عقيدة التثليث لم يأت بها نبي من الأنبياء، ولا نزلت في كتاب من الكتب السماوية، وعدم ورودها في التوراة غير محتاج إلى بيان؛ لأن من طالع التوراة الحالية لا يجد فيها ذكرا صريحا ولا إشارة أو تلميحا لهذا الأمر، وعلماء اليهود من عهد موسى عليه السلام إلى هذا الزمان لا يعترفون بعقيدة التثليث، ولا يرضون بنسبتها إلى كتبهم، فلو كانت عقيدة التثليث حقا لوجب على موسى وسائر أنبياء بني إسرائيل - وآخرهم عيسى عليه السلام - أن يبينوها حق التبيين، فقد كانوا مأمورين بالعمل بجميع أحكام التوراة في الشريعة والعقيدة، وأهل التثليث يعتقدون أن عقيدتهم هذه هي مدار النجاة ولا يمكن نجاة أحد بدونها نبيا كان أو غير نبي، فكيف فارق أنبياء بني إسرائيل كلهم الدنيا دون أن يبينوا هذه العقيدة بيانا واضحا وصريحا؟! وهم في نفس الوقت بينوا أمورا وأحكاما أقل أهمية من هذه العقيدة، وكرروا البيان لبعض الأحكام مرة بعد أخرى، وأكدوا على المحافظة عليها والعمل بها تأكيدا بليغا، وأوجبوا