المكتوب، بل كان لأجل هذه الروايات اللسانية، فكأنهم بهذه الحيلة نبذوا القانون المكتوب وجعلوا الروايات اللسانية مبنى دينهم وإيمانهم، ويفسرون كلام الله على حسب هذه الروايات وإن كان هذا المعنى الروائي مخالفا لمواضع كثيرة من كلام الله المكتوب، ووصلت حالة اليهود في زمان عيسى إلى حد الإفراط حتى عظموا هذه الروايات أكثر من المكتوب، ووبخهم عيسى في هذا الأمر بأنهم يبطلون كلام الله لأجل سنتهم، ويوجد في كتبهم أن ألفاظ المشايخ الشفوية اللسانية أحب من ألفاظ التوراة، وألفاظ التوراة بعضها جيد وبعضها غير جيد، لكن ألفاظ المشايخ كلها جيدة، وأجود جدا من ألفاظ الأنبياء.
وهكذا أقوال أُخَرُ يُعلم منها أنهم يعظمون الروايات اللسانية أكثر من القانون المكتوب، ويفهمون القانون المكتوب على حسب ما تشرحه الروايات اللسانية الشفوية، فكأن القانون المكتوب عندهم بمنزلة الجسد الميت، والروايات اللسانية الشفوية بمنزلة الروح التي بها الحياة.
ويقولون: إن الله أعطى موسى التوراة وأمره بكتابتها (فهي القانون المكتوب) ، وأعطاه أيضا معاني التوراة وأمره بتبليغها دون الكتابة (فهي القانون اللساني الشفوي) ، فجاء بهما موسى من الجبل وبلغ القانونين المكتوب والشفوي إلى هارون وابنيه والمشايخ السبعين، ثم أخبر هؤلاء سائر بني إسرائيل، وبقيت الروايات الشفوية تتناقل بالألسنة إلى أن بدأ بجمعها الربي يهوذا حق دوش (يوضاس) حوالي سنة ١٥٠م، ومكث في جمعها أربعين سنة بمشقة كبيرة، ثم دونها في كتاب سماه: المشنا، فهذا المشنا يضم الروايات الشفوية التي تناقلها المشايخ بألسنتهم حوالي سبعة عشر قرنا بعد موسى عليه