أما في ظل النظام الإسلامي فإن درجة السمو هذه تختلف؛ لأن التشريع الإسلامي من عند الله، فقد يرد نص قاطع في مسألة ما وهي ليست دستورية، وبالتالي فإن على واضع الدستور في الدولة الإسلامية ألا يخالف هذا النص ولو كان محله التشريع العادي أو الفرعي؛ لأن النص يعلو على غيره، ولا مانع في الإسلام من أن ندرج القواعد القانونية على الشكل المتدرج في القانون الوضعي؛ لأن ذلك من باب الوسائل والأمور الاجتهادية، ولكن السمو للقاعدة القانونية ليس مرتبطا بمكان وجود القاعدة أو درجتها من درجات القانون، إنما هو مرتبط بالقاعدة القانونية نفسها، فإذا كانت القاعدة من الأمور الثابتة التي ورد فيها نص من الكتاب أو السنة أو كانت محل إجماع فإنها تسمو على غيرها بغض النظر عن درجتها القانونية، فهذا التدرج في ظل النظام الإسلامي تدرج شكلي فقط، وإذا كانت القاعدة تدخل ضمن الأمور الاجتهادية التي لم يرد فيها نص والتي يختلف حكمها باختلاف الظروف فإنها والحالة هذه تسمو على القواعد الاجتهادية الأدنى منها درجة، لكنها لا تسمو على القواعد المبنية على نصوص أو التي ورد فيها حكم شرعي ولو كانت في التدرج القانوني أعلى منها (١) .
والمثال التالي يوضح مكانة القاعدة الاجتهادية أمام القواعد الأخرى، فلو افترضنا أنه ورد نص في دستور دولة إسلامية يقول:(يعين القضاة بأمر من رئيس الدولة) فهذه القاعدة قاعدة اجتهادية تسمو على القواعد الاجتهادية التي أدنى منها فقط، فإنه لا يجوز أن يصدر قانون يخول وزيرا من الوزراء في تلك الدولة أن يعين القضاة لمخالفة هذا القانون لنص الدستور، كما لا يجوز لوزير العدل مثلا أن يصدر أمرا وزاريا بتعيين قاض
(١) د. علي محمد جريشة، المشروعية الإسلامية العليا، ص ١٠٧، د. محمد حلمي، نظام الحكم الإسلامي مقارنا بالنظم المعاصرة، ص ١١٦.