قال الشيخ الإمام، الحبر الهمام، العالم العلاّمة، البحر الفهامة، حافظ السنة النبوية، وأمين الأخبار المحمدية، شمس الدين أبو الخير محمد السخاوي، الشافعي، رحمه الله تعالى وقدّس روحه، ونوّر ضريحه، آمين: الحمد لله الذي منح رجالاً بسلوكهم المنهاج؛ ذِكْراً به المجالس تُعطّر والقلب يحيى، وفتح بتيسيره لهم أقفالاً زاد بإنفاقهم من كنوزها الابتهاج، فهم في روضة بل في رياض الآخرة والدنيا، وجعل العمدة عليهم في التصحيح والإيضاح، والمفزع في الشدة إليهم في الغدوِّ والرواح، فهم لذلك لا ترخيص عندهم في القيام بالدين، بل قائمون بالتبيان إلى الغاية والتحقيق المتين.
أحمده على الإرشاد للاهتمام للسنّة التي فيها بستان العارفين، وأشكره لما اتضح من الأصول والضوابط التي بها قلب كل مسلم ينشرح بيقين، وأستعينه في فهم مجموع المشكلات، وأستهديه سلوك طريق أولي الولايات، وأسأله التوفيق لنشر ما لهم من المكرمات، بالدلائل النيّرات، وأستغفره من الذنوب الخفيات والجليات، وأرجوه في إخلاص الأعمال والنيات.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرضين والسماوات، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ذو المعجزات الباهرات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم في الحركات والسكنات، صلاة وسلاماً دائمين في الحياة وبعد الممات.
فهذا جزء استوفيت فيه أحوال شيخ الإسلام، وإمام الأئمة الأعلام، قطب الأولياء الكرام، ونادرة الزهاد الوافر في روعة السهام، المجتهد في الصيام والقيام، والقائم بخدمة الملك العلام: محيي الدين النووي رضي الله عنه ورضي عنا به، وبلغ كلامنا في الخير منتهى أربه، التي أفردها خادمه العلامة علاء الدين ابن العطار، مع زيادات جمة ميّزتها بقولي:" قلت: ثم: انتهى "، قصداً للتمييز لا للاستكثار من: نسبه، ونسبته، ومولده ونشأته، وذكر شيوخه، وتصانيفه الدالة على تقدمه ورسوخه، ونبذة من كلام الأئمة فيها، ومن انتدب منهم للتكلم عليها، وما وليه من الوظائف الدينية، ومن علمته أخذ عنه ممن سلكوا الطريق المرضية، وجملة من أوصافه، المصرّحة بولايته وعظيم إنصافه، وكونه من الصادقين، وعموم بركته وانتفاع من يعرفه به في القيامة عند رب العالمين، وزهده وعلمه، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بلسانه وقلمه، وظهور كراماته، وتعظيمه لله ورسوله، وتأدبه مع الصالحين في جميع أوقاته، وخدمته بنفسه لشيوخه ومكاشفاته، وتقدمه في الفقه والحديث واللغة والعلوم، وشدة اجتهاده في المطالعة لمنطوق المعلوم والمفهوم، ومداومة سهره وتهجده، وإخلاصه وتعبّده وعدم مجادلته، ورفع صوته في تقريره ومباحثته، وتمام ورعه وتحرّيه في قبول الهدية، وكون المهدى إليه ممن لا يقرأ عليه ولا له معه قضية، وعدم تعاطيه ما يرطِّب بدنه من ثلج وشبهه، وتركه جميع ملاذ الدنيا من أكل ولبس وحمّام وسائر ما يعتمده المرء في تفكهه وكونه لم يجمع بين آدمين مختلفين إلا في النادر، ومداومته على الصوم وظمأ الهواجر، واقتدائه بالسلف الصالحين، إلى غير ذلك مما قلّ أن يجتمع في غيره من المحققين، وإسناده في الفقه وما وقع في تصانيفه عندنا في السند، وثلاثة أحاديث من طريقه المعتمد، وتعيين وقت وفاته، وما يلتحق بجميع ذلك من تتماته، رجاء شمول بركته، وإظهاراً لما عندي من محبته، والله المسؤول أن ينفعنا بذلك ويرشدنا إلى أحسن المسالك، بمنّه وكرمه.
[نسبه ونسبته]
أما نسبه ونسبته، فهو: يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام " بمهملة ثم زاي "، محيي الدين أبو زكريا، ابن الشيخ الزاهد الورع، ولي الله تعالى: أبي يحيى الحزامي، نسبه لجده حزام المذكور. وكان بعض أجداد الشيخ يزعم أنها نسبة لوالد الصحابي حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال الشيخ: وهو غلط.
النووي: نسبة لنوى، والنسبة إليها بحذف الألف على الأصل، ويجوز كتبها بالألف على العادة.
قلت: وبإثباتها وحذفها قرأته بخط الشيخ، لكن قال الشهاب الهائم: إنه بإثباتها خلاف القياس. قال: وأما الألف التي هي بدل من لام الكلمة فلا يجوز حذفها، بل يجب قلبها في النسبة واو، كما في النسبة إلى فتى ونحوه، فيقال: نووي، كما يقال: فتوي، انتهى.