وكان إذا ذكر الصالحين ذكرهم بتعظيم وتوقير واحترام، وسوَّدهم وذكر مناقبهم، وكراماتهم.
قلت: زاد اللخمي: واكتسب في أحواله، انتهى.
وكنت أنا وإياه يوماً في الحلقة بين يدي أحد مشائخه " أبي حفص الربعي " فقام فملأ إبريقاً، وحمله بين يدي أبي حفص إلى الطهارة.
قلت: ومن مكاشفاته ما حكى الزين عمر بن الوردي في ترجمة الشمس ابن النقيب من تاريخه، إنه قال: دخلت وأنا صبي على النووي رحمه الله " يعني في أيام اشتغاله عليه "، فقال لي: أهلاً بقاضي القضاة، قال: فنظرت فلم أجد عنده أحد غيري، فقال لي: اجلس يا مدرّس الشامية.
وهذا من جملة كشف الشيخ رحمه الله فإنه وليهما معاً، وكانت حكاية ابن النقيب لذلك وهو بحلب، قبل ولايته الشامية وكان يظن أنه يلي قضاء الشام، فما ولي إلا حمص، ثم طرابلس، ثم حلب، ثم رجع إلى دمشق فولي الشامية.
من كراماته ما حكاه ابن الوردي أيضاً في ترجمة شيخه الشرف البارزي، مما حكاه له في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة وسبعمائة: أنه رأى النووي في المنام، قال: فقلت له: ما تختار في صوم الدهر؟ فقال: فيه اثنا عشر قولاً للعلماء، قال: فلما استيقضت وجدت الأمر كذلك، " يعني بعد التتبع "، فإنني لم أَرَ الأقوال مجموعة في كتاب واحد، وعدّه ابن الوردي من كرامات شيخه أيضاً.
ووجدت هذا المنام أيضاً بخط شيخي في بعض أجزاء " تذكرته "، وعبارته: قال الشرف البارزي: رأيت النووي في النوم فسألته عن صوم الدهر، فقال: فيه اثنا عشر قولاً للعلماء، قال: فأقمت حولاً حتى اجتمعت لي، ولم أجدها مجموعة في كتاب، وهي هذه: صوم الدهر في حق من لم ينذر ولم يتضرر به، فيه أربعة أقوال: الاستحباب، وهو اختيار أكثر الشافعية، والكراهة، وهو اختبار البغوي والإباحة، وهو نص الشافعي، والتحريم، وهو قول جماعة من السلف.
وفي حق من نذر ولم يتضرر به خمسة أقوال: الوجوب، وهو اختيار أكثر الشافعية، والأربعة المتقدمة للقائلين.
وفي حق من يتضرر به، بأن تفوته السنن، أو الاجتماع للأهل، ثلاثة أقوال: التحريم، والكراهة، والإباحة، انتهى ما قرأته بخط شيخنا.
وكذا من كراماته ما كان يراه من المنامات التي تأتي كفلق الصبح، انتهى.
كنت يوماً بين يديه لتصحيح درس عليه في " مختصر علوم الحديث " الأصغر، له، فلما فرغت منه قال لي: رأيت الليلة في المنام كأني كنت سابحاً في بحر وكأني خرجت منه إلى شاطئه، وإذا أنا بشخص قد غرق فيه، وقد تعلق بخشبة على وجهه لحظة ثم غرق، فقلت له: يا سيدي، علمت الشخص من هو؟ قال نعم! قلت: من هو؟ قال: ابن النجار، قلت: فما أوّلته؟ قال: يظهر قليلاً ثم يخفي خفاء لا ظهور بعده، مع نفاق بقلبه.
فقلت: فكان كذلك. وابن النجار هذا هو راسله بما سيأتي، انتهى.
[تقدمه في العلم وكثرة عبادته]
وأما تقدمه في العلم وكثرة عبادته، فسمعت شيخنا أبا عبد الله بن محمد الظهير الإربلي الحنفي، شيخ الأدب في وقته، وكان كتب كتاب " العمدة في تصحيح التنبيه " له، وسألني في مقابلته معه بنسخي ليرويه عني يقول بعد فراغنا منه ما وصل التقيّ ابن الصلاح إلى ما وصل إليه الشيخ من العلم والفقه والحديث، واللغة، وعذوبة اللفظ وحلاوة العبارة.
قلت: وفي كلام الإدفوي في " البدر السافر ": إن الشيخ نوزع مرة في نقل عن " الوسيط " فقال: تنازعوني في " الوسط " وقد طالعته أربعمائة مرة؟ وكان مع سعة " علمه كما في " سير النبلاء " " عديم النظير، لا يرى الجدال، ولا تعجبه المبالغة في البحث، ويتأذّى ممن يجادل ويعض عنه. وقال في موضع آخر: كان لا يتعانى لغط الفقهاء وعياطهم في البحث، بل يتكلم بتؤدة ووقار، ولذلك كان قلمه أبسط من عباراته، انتهى ما في " البدر السافر ".
وقرأت في بعض المجاميع، نقلا عن الفقيه أبي علي سعيد بن عثمان الشوائي، الجبرتي إنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، وأنا بساحل موزع، فقال: إذا اختلف عليك كلام صاحب " المهذّب " وكلام الغزالي وكلام النووي، فخذ بقول النووي، فإنه أعرف بسنَّتي. قال: ورأيته صلى الله عليه وسلم ثانيةً، وسألته عن النووي، فقال: ذاك محيي ديني انتهى ما في المجموع.