وفي رسالة لابن النجار، ما يشعر بكونه لم يوافق على توليتها إلا بعد جهد، فإنه قال فيها مجيباً له عن تهديده بعزله عنها ما نصه كما سيأتي: أو ما علمت لو أنصفت كيف كان ابتداء أمرها؟ أو ما كنت محاضراً مشاهداً أخذي لها؟ إلى آخر كلامه.
ونشر " كما قال القطب اليونيني " بها علماً جمّاً، وأفاد الطلبة، قال: والذي أظهره وقدمه على أقرانه ومن هو أفقه منه: كثرة زهده في الدنيا، وعظم ديانته وورعه، وليس فيمن اشتغل عليه من يلتحق به، انتهى كلام القطب.
ووهِم من قال: إنه أقام في الأشرفية نحو عشرين سنة، وقد استقر فيها بعده الشيخ الزين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله الفارقي ومن يلها من زمن الواقف أورع من الشيخ كما صرح به التاج السبكي، مع ادعائه ما أظن أن والده الذي صرح في أول نسخة " شرح المهذب " بما سبق، وكان يمرغ وجهه رجاء أن يمس مكاناً مسّه قدمه، وينشد ذاك الشعر حسبما يأتي لا يوافقه عليه، حيث قال التاج في ترجمة أبيه: وولي بعد وفاة المزّي مشيخة دار الحديث الأشرفية، فالذي نراه أنه ما دخلها أعلم منه، ولا أحفظ من المزي، ولا أروع من النووي وابن الصلاح، انتهى كلامه.
ووقع في مقدمة " المهمات " في الفصل الأول، في الكلام على احتمالات الإمام: أتكون أوجُها أم لا؟ وحكى كلام الغزالي ثم الرافعي ثم النووي في ذلك، وأن كلا منهم عدّها أوجها، وأن كلاّ منهم أجلُّ ممن جاء بعده. ثم نقل عن ابن الرفعة التصريح بخلافه، وتعقبه بقوله: والذي ذكره مردود بما سبق من نقل جماعة كلٌّ منهم أجلُّ منه.
وبالجملة فالكف عن الخوض في هذا أقرب إلى السلامة من العطب، لا سيما وينشأ منه أن من لم يلحق مرتبة القائل ولا له نسبة بآحاد أتباع أتباعه، بل ولا له كبير وجاهة في علم: يجعله ذريعة لمقاصده الفاسدة. ولقد سألت شيخنا " وناهيك به نقداً للرجال " عن التفضيل، بين الشيخ والرافعي في الحديث بخصوصه، فما سمح لي بالجواب إلا بتكلف، مع كونه لم يزد على أن قال: وُجد للرافعي على طريقة أهل الفن عدة تصانيف: تاريخ قزوين، والأمالي، وشرح المسند. ولكن الأدب عدم التعرّض لهذا أو نحوه.
فانظر كيف لم يسمح بذلك مع الرافعي، مع كون شيخ شيخه الحافظ أبي سعيد العلائي قد جزم به، " كما أسلفه في آخر سرد تصانيفه " فكيف بمن دونه؟ فالأولى الوقف، لا سيما والحاجة غير داعية إليه.
ولقد اضطر شيخنا مع مزيد تواضعه وأدبه مع الشيخ " كما سبق " إلى الخوض في تصانيفه، وكونه مسبوقاً بها، واختصاص " شرح المهذب " منها بمزيد التعب والطريقة المبتكرة، ولذلك لم يكمل. فقدِّرْ بعد وفاة شيخنا زَعَم شخص ممن لا نسبة له بآحاد جماعته، أن تصانيفه كلها قد سُبق إليها، فعارَضْته ب " تغليق التعليق " و " فتح الباري "، وغيرهما، مما لم يُسبق إليه، أو سُبق به وكان هو اللاحق بوضعه، وهو مصمّم على العناد، وأعرضت عنه وتوهمت أن ذلك ببركة الشيخ، لكون السكوت كان عنه أولى، رحمهما الله ونفعنا ببركتهما.
وقال القطب اليونيني: إن الشيخ باشر أيضاً تدريس الإقبالية، والفلكية، والرُّكنية، للشافعية، نيابة عن قاضي القضاة: الشمس أحمد بن خَلِّكان، في ولايته الأولى، انتهى.
وحدّث بالصحيحين بدار الحديث الأشرفية سماعاً وبحثاً، وبقطعة من سنن أبي داوود، وبالرسالة للقشيري، و " صفوة التصوف "، و " الحجة على تارك المحجة " لنصر المقدسي، كلها سماعاً وبحثاً، و " شرح معاني الآثار " للطحاوي.
[من شعره]
قلت: ووجد بحاشية نسخة من " الروضة " أنه وُجد بخطه من الشعر.
وأنت الذي أدعوه سرّاً وجهرة ... أجرني بلطفٍ من جميع المصائب
وبخط تلميذه العلاء بن العطار: أنه وجد بخطه أيضاً:
أموت ويبقى كلُّ ما قد كتبتُه ... فيا ليت من يقرأ كتابي دعا ليا
لعل إلهي أن يمن بلطفه ... ويرحم تقصيري وسوء فعاليا
وكذا وجد بخطه:
جرى قلمُ القضاء بما يكون ... فسيان التحرك والسكون
جنون منك أن تسعى لرزق ... ويُرزَق في غشاوته الجنين
ويشبه أن يكون ذلك ما تمثل به وليس من نظمه، ثم ظهر ذلك وأنهما للماوردي كما عزاهما إليه ابن كثير في ترجمته.
وقيل إنه سُمع من الشيخ قرب وفاته، ووُجد في موضع آخر نسبتُها إلى نظمه وأنه ليس له نظم غيرها: