للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العلامة أنور - رحمه الله:"ألا ترى أن الأشعري لما بالغ في التنزيه وشدد فيه لزمه نفي كثير من الصفات التي أثبتها السمع حتى قارن المعطلة فلم يبق للاستواء المنصوص عنده مصداق، وصار نحو ذلك كله من باب المجازات عنده فالقرآن يأبى عما يريده الأشعري من تنزيهه هذا - تبارك الله- وقد نقلنا لك فيما أسلفنا أننا لم نجد تعبيراً في القرآن أزيد إيهاماً من قوله تعالى: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص:٣٠]، ومن قوله بُورِكَ مَن فِي النَّارِ [النمل:٨]، وكان ذلك مسموعاً فالأشعري يزعمه خلاف التنزيه قلت: فعليه أن يكره هذا التعبير أيضاً، ولكن القرآن قد أتى به ولم يبال بذلك الإيهام، ولا رآه مخالفاً للتنزيه .. وبالجملة قد ثبت إسناد كثير من الأشياء في السمع ولا يرضى الأشعري إلا بقطعها عن الله تعالى، مع أن القرآن على ما يظهر لا يسلك مسلك تلك التنزيهات العقلية" (١).

قلت: هذا كلام جيد غير أن الردَّ على الأشعري والسكوتَ على الماتريدي ليس من الإنصاف في شيء، فكلامه هذا.

أولاً: حجة على الماتريدي والماتريدية أيضاً.

وثانياً: فيه اعتراف بالحق، وهو أن إثبات الصفات ليس من التشبيه في شيء.

ثالثاً: أن تنزيهاتهم المزعومة تعطيل في الحقيقة وليس من التنزيه المطلوب في شيء؛ بل يجب تنزيه الله تعالى من هذا التنزيه الباطل.

فليتدبر القراء الكلام ولا سيما الحنفية الماتريدية في هذه النصوص التي سقتها عن هؤلاء الأئمة: الإمام أبو حنيفة، والإمام أبو منصور الماتريدي والإمام البدر العيني، الشاه ولي الله، والملا على القاري، والشاه أنور شاه الديوبندي ليعرفوا أن كلامهم مشتمل على أمور مهمة أذكر منها ما يلي:

١ - العقيدة الإسلامية في الصفات هي عقيدة السلف الصالح لا غيرها.

٢ - عقيدة السلف في الصفات أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل والصفات ومن غير تكييف ولا تمثيل.

٣ - لا صلة للتفويض بعقيدة السلف وإنما تفويض السلف تفويض علم الكيف لا علم المعنى فمعاني الصفات معلومة، وكيفيتها مجهولة.

٤ - إثبات الصفات لله تعالى وفق المنهج السلفي ليس من التشبيه والتجسيم في شيء.

٥ - مذهب السلف وسط بين الإفراط والتفريط من التشبيه والتعطيل.

٦ - تأويل الخلف خروج على منهج السلف.

٧ - ٩ تأويل الصفات تحريف للنصوص وتعطيل للصفات وإبطالها، وأنه مذهب الجهمية.

١٠ - أن الله تعالى عالٍ على خلقه بائن من مخلوقاته لا في ذاته شيء من المخلوقات ولا في المخلوقات شيء من ذاته.

١١ - فَزّعْمُ أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصلاً به ولا منفصلاً عنه، ولا فوق ولا تحت ... باطل، وهذيان المجانين والمحمومين.

١٢ - ١٣ الدفاع الكامل عن الإمامين شيخ الإسلام وابن القيم، وأنهما بريئان من تهمة التشبيه والتجسيم، وأن رميهما بتلك الألقاب عدوان وبهتان على عادة الجهمية رمي أهل الحديث والسنة بها، وأنهما من أهل السنة والجماعة، بل من أولياء هذه الأمة؛ وأن عقيدتهما بعينها عقيدة السلف الصالح بما فيهم الإمام أبو حنيفة رحمهم الله تعالى.

الوجه الثالث:

أن نقول: هؤلاء الماتريدية وغيرهم من أهل الكلام كما لم يعرفوا حقيقة "التشبيه" الواجبِ نفيُه عن الله، فأدخلوا في مفهوم "التشبيه" إثبات صفات الله تعالى ثم عطلوها بحجة التشبيه.

كذلك هم لم يعرفوا حقيقة "التنزيه" الواجبِ إثباته لله تعالى فأدخلوا في مفهوم "التنزيه" نفي كثير من صفات الله تعالى فعطلوها بحجة التنزيه.


(١) ((فيض الباري)) (٤/ ٤٧٣)، وسكت عليه الشيخان بدر عالم، والبنوري.

<<  <  ج: ص:  >  >>