[المبحث الثالث: الرد على الماتريدية في باب الأسماء والصفات]
الماتريدية - كغيرهم من فرق المعطلة- عرضت لهم شبهة وهي أن ظواهر نصوص الصفات موهمة للتشبيه فزعموا أنه لو بقيت هذه النصوص - بدون تفويض أو تأويل- على معانيها الحقيقية من العلو، والنزول، والاستواء، والوجه واليدين والغضب والرضا ونحوها - لزم تشبيه الله تعالى بالمخلوقات وهذا ينافي تنزيه الله تعالى عن مشابهتهم، والعقل يستحيل إبقاء هذه النصوص على ظاهرها فلذلك لابد من تفويض معانيها إلى الله تعالى، أو تأويلها إلى ما يوافق العقل.
ولا يجوز حملها على ظاهرها.
وهذه الشبهة هي التي دفعتهم إلى التقول بالتفويض الباطل على السلف، وتعطيل كثير من الصفات الكمالية لله تعالى، وتحريف نصوصها.
ونحن بتوفيق الله تعالى نناقشهم ونذكر وجوهاً لإبطال هذه الشبهة وبيان خطرها. إن شاء الله تعالى، فنقول وبالله التوفيق.
الوجه الأول:
أن القول بأن ظاهر نصوص الصفات تشبيه، أو ظواهر هذه النصوص موهمة للتشبيه - قول في غاية الفساد والضلال؛ لأن ذلك يستلزم أموراً كفرية جداً منها:
١ - أن ظاهر نصوص القرآن والسنة هو الضلال البعيد والكفر الصريح والشرك القبيح والباطل المحض؛ لأن تشبيه الله بخلقه كفر.
٢ - أن الكتاب والسنة مشتملان على كفر وضلال، ولا يستفاد منهما نور وهداية وبيان الحق.
٣ - أن الكتاب والسنة لا يصلحان أن يكونا مصدرين لتلقي العقيدة فيما يخبران عن الله تعالى.
٤ - أنهما ليس فيهما ما يصلح للاعتقاد بل فيهما ما يفسد العقيدة، ويضلل الناس.
٥ - أن القلوب تتخلَّى عن الجزم بشيء مما في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
٦ - أن يُعزل الكتاب والسنة عن الدلالة والإرشاد ولاسيما فيما يتعلق بصفات الله.
٧ - أن ترك الناس بلا كتاب ولا رسالة كان خيراً لهم.
٨ - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم التابعين يتكلمون بما ظاهره كفر وضلال دائماً ولم يقولوا يوماً من الدهر أن ظاهرها غير مراد.
٩ - أن هذا يستلزم إقرار الصدر الأول من الصحابة والتابعين لهذا الكفر العظيم؛ حيث تكلموا بما ظاهره كفر بدون بيان ودون تحذير الأمة.
١٠ - أن هذا فتح الأبواب لأنواع من المشركين والمبتدعين من الباطنية وغيرهم لا يمكن سدها وهذه الأمور العشرة أذكرها مفصلة:
قال شيخ الإسلام: "فإن كان الحق فيما يقول هؤلاء السالبون النافون للصفات الثابتة في الكتاب والسنة - من هذه العبارات ونحوها، دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصاً وإما ظاهراً فكيف يجوز على الله ثم على رسوله -صلى الله عليه وسلم- ثم على أخير الأمة أنهم يتكلمون دائماً بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق، ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبوحون به قط، ولا يدلون عليه لا نصاً، ولا ظاهراً، حتى يجيء أنباط الفرس والروم، وفروخ اليهود والنصارى والفلاسفة يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي يجب على كل مكلف أو كل فاضل أن يعتقدها.
لئن كان ما يقوله هؤلاء المتكلمون، والمتكلفون هو الاعتقاد الواجب - وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا الواجب - وهم مع ذلك أحيلوا في معرفته على مجرد عقولهم، وأن يدفعوا بما اقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة نصاً أو ظاهراً - لقد ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير؛ بل كان وجود الكتاب والسنة ضرراً محضاً في أصل الدين؛