للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الأول: رأي المعتزلة في أفعال الله ومناقشتهم]

الفعل عند المعتزلة: تعريفه: يقول القاضي عبدالجبار: "إن الفعل هو: ما وجد من جهة من كان قادراً عليه" (١).

أحكام الفعل:

يقول القاضي: "اعلم أن الفعل ينقسم إلى قسمين: أحدهما: ما لا صفة له زائدة على وجوده، وهذا لا يوصف بقبح، ولا حسن عند شيوخنا" (٢). ويعلل ذلك بأن الحسن والقبيح لابد من أن يكون لهما حكم زائد على الوجود، لأنه لو لم يحصل لهما ذلك، لم يكن أحدهما بأن يكون حسناً أولى من صاحبه ولا الآخر بأن يكون قبيحاً أولى منه، لأن الوجود حصل لهما على السواء .... ولأنه لو كان قبح القبيح منهما لوجوده فقط؛ لوجب قبح كل فعل، ولو كان حسن الحسن لوجوده فقط، لوجب حسن كل فعل؛ وذلك يوجب كون الفعل حسناً قبيحاً، وهذا معلوم فساده .. ثم قال: فيجب إذاً فيما لا صفة له زائدة على وجوده أن نحكم بأنه ليس بحسن ولا قبيح (٣). وعلى ذلك؛ فهذا النوع من الأفعال لا يوصف بالحسن والقبح، فلا يصح وقوعه في أفعال الله تعالى، لأنه لابد من كون فعله حسناً (٤).الثاني: ما له صفة زائدة على وجوده: يقول القاضي - وهو يتكلم عن هذا النوع من الأفعال-: " ... وهذا النوع إما أن يقع ممن هو عالم به أو يقع ممن لا يعلمه. إذا كان الفعل قد وقع ممن لا يعلمه ولا يتمكن من ذلك مثل: حركات النائم والساهي، فهذا لا حكم له، ولا يدخل في أفعال الله تعالى، لأن الله عالم لذاته، فلا يصح وقوع شيء منه من غير أن يعلمه (٥).أما إذا وقع ممن هو عالم به: فإما أن يقع ولا إلجاء ولا إكراه، أو يقع وهناك إلجاء وإكراه. إن وقع وهناك إلجاء وإكراه: فهذا لا حكم له ... وإن وصف بأنه حسن أو قبيح، ولكن حكم القبيح والحسن لا يثبت فيه (٦)؛ لأنه لا يدخل في حيز ما يستحق به الذم أو المدح (٧).وهذا النوع - أيضاً - لا يدخل في أفعال الله تعالى، لأنه سبحانه وتعالى يستحق المدح في أفعاله، وتفارق حاله حال الملجأ (٨) من حيث لا تصح المنافع والمضار عليه (٩).

وإن وقع ممن هو عالم به أو متمكن من ذلك، ولا إلجاء، ولا ضرورة؛ فهذا النوع لا يخلو من أمرين: الأول: إما أن لا يكون له فعله وهو القبيح (١٠) ... وهو الذي إذا وقع على وجه من حق العالم بوقوعه كذلك من جهته المخلى بينه وبينه أن يستحق الذم إذا لم يمنع منه مانع (١١). وذلك كالظلم والكذب. وهذا لا يقع في أفعال الله تعالى؛ لأنه لا يفعل القبيح ولا يختاره (١٢).

الثاني: أن يكون له فعله؛ وهو الحسن: وهو ما لفاعله أن يفعله ولا يستحق عليه ذماً. ثم إن الحسن ينقسم إلى قسمين:

الأول: ما يكون له صفة زائدة على حسنه.


(١) ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٦/ ٥).
(٢) ((المغني في أبواب العدل)) (٦/ ٧).
(٣) ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٦/ ٩).
(٤) ((المغني في أبواب العدل)) (٦/ ١٣).
(٥) ((المجموع المحيط)) (١/ ٢٣٢)، و ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٦/ ١٣).
(٦) ((المحيط بالتكليف)) (ص ٢٣٢، ٢٣٣).
(٧) ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٦/ ٧).
(٨) ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٦/ ١٧).
(٩) ((المغني)) (٧/ ١٣).
(١٠) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٢٦).
(١١) ((المغني)) (٦/ ٢٦).
(١٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٣٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>