للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثامن: صلة الأشعرية بالصوفية، وأثر هذه الصلة يظهر من كتب الأشعرية والصوفية أن بينهما صلة قديمة، فقد ذكر أبو المظفر الإسفراييني في كتابه (التبصير في الدين) فصلاً بعنوان: "من فصول المفاخر لأهل الإسلام وبيان فضائل أهل السنة والجماعة وبيان ما اختصوا به من مفاخرهم" (١) فعدد العلوم التي يفضلون بها غيرهم فذكر منها: التصوف فقال: "وسادسها علم التصوف والإشارات وما لهم فيها من الدقائق والحقائق لم يكن قط لأحد من أهل البدعة فيه حظ بل كانوا محرومين مما فيه من الراحة والحلاوة والسكينة والطمأنينة .... " (٢).

ثم إن الحافظ ابن عساكر ذكر طبقات الآخذين عن الأشعري والمنتسبين إليه. وهي خمس طبقات، وفي كل طبقة يوجد من ينتسب إلى الصوفية، وسأكتفي بذكر واحد فقط في كل طبقة:

فمن جملة من ذكر في الطبقة الأولى الآخذين عن أبي الحسن الأشعري: أبو عبدالله محمد بن خفيف.

وفي الطبقة الثانية وهم من تلقى الأشعرية عن أصحاب الأشعري – ذكر أبا علي الدقاق.

وفي الطبقة الثالثة: ذكر أبا ذر الهروي.

ثم ذكر في الطبقة الرابعة: أبا القاسم القشيري. ثم ذكر في الطبقة الخامسة: أبا حامد الغزالي (٣).ولاشك أن هؤلاء الخمسة الذين ذكرهم ابن عساكر فيهم من كان أكثر إثباتاً للصفات من غيره كابن خفيف وأبي ذر الهروي – وأكثر المذكورين من هؤلاء كان قد قيد علمه بالكتاب والسنة في الجملة فلم يكن كبقية الصوفية – وفي ذلك يقول ابن خفيف: "إني أحببت أن أذكر عقود أصحابنا المتصوفة فيما أحدثته طائفة نسبوا إليهم ما قد تخرصوا من القول بما نزه الله تعالى المذهب وأهله من ذلك ... " (٤) إلى أن أتى لموضع أشار فيه ابن جرير الطبري إلى أن الصوفية يقولون برؤية الله في الدنيا والآخرة (٥). قال ابن خفيف معلقاً على قول الطبري: "ونسب هذه المقالة إلى الصوفية قاطبة لم يخص طائفة، فبين أن ذلك على جهالة منه بأقواله المخلصين منهم" ... إلى أن قال بعد أن بين الصواب: "هذا قولنا وقول أئمتنا دون الجهال من أهل الغباوة فينا" (٦).ومع هذا القول – وهو التفريق بين طوائف الصوفية – إلا أن الأمر قد تغير عند أبي حامد الغزالي الذي جمع في كتابه (إحياء علوم الدين) بين قواعد عقائد الأشعرية وبين جمل غامضة آيلة إلى وحدة الوجود، ويرى أن مرتبة الوحدة هي أعلى المراتب وأنه لا يجوز كشفها في كتاب إذ إفشاء سر الربوبية كفر (٧).!!


(١) ((التبصير في الدين)) للإسفراييني (ص: ١٨٧).
(٢) ((التبصير في الدين)) للإسفراييني (ص: ١٩٢).
(٣) ((تبين كذب المفتري)) (ص: ٢٩١).
(٤) ((الفتوى الحموية الكبرى)) (ص: ٨١) وهي ضمن ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٧٨).
(٥) كلام الطبري نصه هكذا ... "وقال جماعة متصوفة – وممن ذكر عنه مثل ذلك ابن أخت عبدالواحد: الله جل وعز يرى في الدنيا والآخرة، وزعموا أنهم قد رأوه وأنهم يرونه كلما شاءوا" ((تبصير أولى النهى)) (ق٢٣/ب). وكلامه ليس نصاً في نسبة ما ذكره إلى الصوفية قاطبة.
(٦) ((الفتوى الحموية الكبرى)) (ص: ٨٢) وهي في ((مجموع الفتاوى)) (٥/ ٧٩).
(٧) انظر ((قواعد العقائد في إحياء علوم الدين)) (١/ ٨٩ - ١١٤)، و ((وحدة الوجود)) في الكتاب نفسه (٤/ ٩١، ٢٦٢ - ٢٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>