للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الثاني: معنى أهل السنة أهل الشيء هم أخص الناس به، يقال في اللغة: أهل الرجل: أخص الناس به وأهل البيت سكانه، وأهل الإسلام من يدين به، وأهل المذهب من يدين به (١).

فمعنى أهل السنة؛ أي: أخص الناس بها وأكثرهم تمسكاً بها واتباعاً لها قولاً وعملاً واعتقاداً.

وهذا اللفظ أصبح مصطلحاً يطلق ويراد به أحد معنيين:

المعنى الأول: معنى عام يدخل فيه جميع المنتسبين إلى الإسلام عدى الرافضة، فيقال: هذا رافضي، وهذا سني، وهذا هو اصطلاح العامة؛ "لأن الرافضة هم المشهورين عندهم بمخالفة السنة فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم: أنا سني فإنما؛ معناه: لست رافضياً" (٢).وقد ورد عن بعض السلف ما يشير إلى هذا المعنى فقد قيل لسفيان الثوري: يا أبا عبدالله! وما موافقة السنة؟ قال: تقدمة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما (٣)، فالسني عنده من قدمهما على غيرهما في الخلافة والفضل، ومن لم يقدمهما فليس بسني، ولم يؤخرهما عن مرتبتهما إلا الرافضة.

المعنى الثاني:

معنى أخص وأضيق من المعنى العام، ويراد به أهل السنة المحضة الخالصة من البدع، ويخرج به سائر أهل الأهواء والبدع، كالخوارج والجهمية والمرجئة، والشيعة وغيرهم من أهل البدع. يبين شيخ الإسلام ابن تيمية معنى لفظ "أهل السنة" فيقول: "فلفظ "أهل السنة" يراد به من أثبت خلافة الثلاثة، فيدخل في ذلك – أي: "في لفظ أهل السنة – جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به: أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: القرآن غير مخلوق وأن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة" (٤).ومن خالف شيئاً من ذلك عد من أصحاب البدع، ولم يكن سنياً، بذا حكم إمام أهل السنة دون منازع الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، حيث قال في مقدمة كتاب (السنة): "هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنة المتمسكين بعروتها المعروفين بها المقتدي بهم فيها من لدن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وأدركت عليها من علماء الحجاز والشام وغيرهما عليها فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها فهو مخالف مبتدع وخارج عن الجماعة زايل عن منهج السنة وسبيل الحق" (٥). ثم ذكر اعتقاد أهل السنة الذي ساق شيخ الإسلام ابن تيمية فيما تقدم طرفاً منه.

فأهل السنة إذن هم:

١) أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم تلقوا عنه مباشرة، أمور الاعتقاد كما تلقوا أمور العبادة، فهم أعرف الخلق بسنة نبيهم واتبع لها ممن جاء بعدهم.

٢) التابعون لهم بإحسان، المقتفون آثارهم في كل عصر ومصر، وعلى رأسهم أهل الحديث والأثر، الذين نقلوا إلينا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وميزوا صحيحها من سقيمها، وعملوا بها واعتقدوا ما دلت عليه.

يقول الإمام ابن حزم في بيان من هم أهل السنة:"وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق ومن عداهم فأهل البدعة فإنهم: الصحابة رضي الله عنهم، وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم، ثم أصحاب الحديث ومن تبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها رحمة الله عليهم" (٦).


(١) ابن فارس، ((معجم مقاييس اللغة)) (١/ ١٥٠)، وابن منظور، ((لسان العرب)) (١١/ ٢٩).
(٢) ابن تيمية، ((الفتاوى)) (٣/ ٣٥٦).
(٣) اللالكائي، ((شرح أصول أهل السنة)) (١/ ١٥٢).
(٤) ((منهاج السنة النبوية))، "بتحقيق محمد رشاد سالم، طبعة المدني – القاهرة"، (٢/ ١٦٣).
(٥) ((السنة)) (ص: ٣٣ – ٣٤))، ضمن مجموع مع كتاب الرد على الجهمية.
(٦) ((الفصل في الملل والأهواء والنحل))، "ط. الثانية ١٣٩٥. نشر: دار المعرفة – بيروت" (٢/ ١١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>