للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الأول: إبطال مفهومهم للألوهية، وحلول اللاهوت في الناسوت]

عقائد الدروز تقوم أساسًا على الاعتقاد بتجسد الإِله في صورة الحاكم بأمر الله، وأن اللاهوت حل في الناسوت على هذه الصورة. وهذا الاعتقاد هو اللبنة الرئيسية التي تقوم عليها أركان العقيدة الدرزية، وفكرة الحلول أصلاً مستقاة من الفلسفة اليونانية، وتكاد تكون عنصرًا رئيسيًا في الفلسفة الهندية، (والمسيحية استمدت هذه الفكرة من الهندوكية) (١).

يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية عن هذه الفكرة ما يلي: ولا ريب أن هذا القول – الحلول والتجسيد – كفر صريح باتفاق المسلمين، فقد ثبت في صحيح مسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واعلموا أن أحدًا منكم لن يرى ربه حتى يموت)) (٢)، فإذا قيل: ظهر في صورة إنسان وتجلى فيه، فإن اللفظ يصير مشتركًا بين أن تكون ذاته فيها، وأن تكون قد صارت بمنزلة المرآة التي يظهر فيها، وكلاهما باطل، فإن ذات الله ليست في المخلوقات، ولا في نفس ذاته ترى المخلوقات كما يرى المرئي في المرآة) (٣).

وينقل الأستاذ أنور الجندي أيضًا عن شيخ الإسلام ابن تيمية ما يلي: إن الاتحاد بين الخالق والمخلوق ممتنع، لأن الخالق والمخلوق إذا اتحدا، فإما أن يكونا بعد الاتحاد اثنين كما كانا قبله، وهذا تعدد وليس باتحاد، وإما أن يستحيلا إلى شيء ثالث كما يتحد الماء واللبن والنار والحديد فيلزم أن يكون الخالق قد استحال وتبدلت حقيقته كسائر ما يتحد مع غيره، وهذا ممتنع على الله، إذ الاستحالة تقتضي عدم ما كان موجودًا والله تعالى واجب الوجود بذاته وصفاته الملازمة له والتي هي كمال، والتي إذا عدمت كان ذلك نقصًا يتنزه الله تعالى عنه) (٤).ولاشك أن الإِله الخالق من فوق هذا الكون، وليس هو أي جزء فيه، (ولو كان جزءًا من الكون لكان من الممكن أن يكافئه جزء آخر منه، وقد يكون ذلك المكافئ – ولو من جهة من الجهات – أصغر منه وأضعف بوجه عام. ومتى وجد المكافئ أمكن أن يحتال عليه ويغلبه، أو أن تتعارض قواهما تعارضًا يعطل كل طرف منها الآخر وبذلك يتعرض الكون للفساد والدمار) (٥).ولهذا فوجود الله كامل ذاتي (بمعنى أنه موجود لذاته لا لعلة مؤثرة فيه، ومن خصائص الوجود الذاتي أنه لا يقبل العدم، وأما وجود ما عداه فوجود ناقص وتبعي، بمعنى أنه مستمد من غيره، وأنه متوقف على القوة الموجدة له) (٦). (وعقيدة (الألوهية)، عقيدة وظيفتها خلق الإِيمان، وإشعال وقدة الشوق والحب لذات الله، وإثارة عواطف الإِجلال والإِكبار له، وعقيدة هذا شأنها وخطرها، وتلك وظيفتها وعملها، يجب أن تبقى بحيث تكون قادرة على أن تمد الإِنسان بهذه المعطيات التي تجعل لله ما يجب أن يكون له، من تقديس وإجلال، ولن تحقق هذا المعنى إلا إذا ظلت متأبية عن أن تنزل إلى عالم الحس) (٧).

وبسبب ذلك فإن الذي يرجح الإيمان في القلوب، ويحتفظ به حيا في النفوس، هو هذا الحاجز الذي يحجز الناس من مشاهدة الله.


(١) أنور الجندي: ((المؤامرة على الإسلام))، (ص ٥٣).
(٢) رواه مسلم في كتاب الفتن ورواه الترمذي في كتاب الفتن.
(٣) ابن تيمية: ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية))، (٢/ ١٧٩ – ١٨٠).
(٤) أنور الجندي: ((المؤامرة على الإسلام))، (ص ٥٤).
(٥) عبد الرحمن حبنكة: ((العقيدة الإِسلامية وأسسها))، (ص ١٩٤).
(٦) د. محمد سعيد رمضان البوطي: ((كبرى اليقينيات الكونية))، (ص ٩٣).
(٧) عبد الكريم الخطيب: ((الله ذاتًا وموضوعا))، (ص ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>