للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث: في إبطال التفويض]

لقد سبق .... أن بينا الفرق بين التفويض السلفي الحق وبين التفويض الكلامي الخلفي الباطل المتقول على السلف.

ولما كان نسبة هذا التفويض الباطل إلى السلف بالغ التقول اقتضى ذلك أن نذكر وجوهاً تتضمن براهين قاطعة وحججاً ساطعة على إبطال ذلك التفويض وبطلان نسبته إلى السلف الصالح، فأقول وبالله التوفيق:

الوجه الأول:

أن القول بهذا التفويض المطلق - التفويض في المعنى والكيف جميعاً - يستلزم الجهل بالله تعالى، وصفاته العلا.

كما يستلزم الجهل بمذهب السلف، والتقول عليهم.

ويستلزم أيضاً تجهيل السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة هذا الدين - بالله تعالى وصفاته الكمالية كما يستلزم استبلادهم، وأنهم كانوا يتلون كتاب الله ويقرؤون أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يفهمون معاني ذلك.

ويستلزم تفضيل الخلف أهل الكلام والبدع على خيار هذه الأمة بحجة أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم، وغيرها من اللوازم الفاسدة.

وكل من هذه اللوازم في غاية الفساد والبطلان فالملزوم مثلها وفيها يلي نصوص بعض الأئمة لبيان فساد القول بالتفويض ونسبته إلى السلف:

١ - قال شيخ الإسلام: "ولا يجوز أن يكون الخالفون أعلم من السالفين - كما يقول بعض الأغبياء ممن لا يعرف قدر السلف، بل ولا عرف الله، ورسوله، والمؤمنين به حقيقة المعرفة: من أن طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أعلم وأحكم ...

فإن هؤلاء المبتدعين الذين يفضلون طريقة الخلف من المتفلسفة ومن حذا حذوهم - على طريقة السلف- إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن؛ إنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن؛ والحديث من غير فقه لذلك بمنزلة الأميين ... ، وأن طريقة الخلف هي استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات، وغرائب اللغات.

فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالات التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف.

وسبب ذلك اعتقادهم أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين.

فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر، وكان لابد للنصوص من معنى - بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ، وتفويض المعنى - وهي التي يسمونها طريقة السلف - أو بين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف - وهي التي يسمونها طريقة الخلف.

فصار هذا الباطل مركباً من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية ظنوها بينات، وهي شبهات. والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه.

فلما انبنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين - كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين، واستبلادهم، واعتقاد أنهم كانوا قوماً أميين بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي.

وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله.

ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلالة.

كيف يكون هؤلاء المتأخرون - لاسيما والإشارة بالخلف إلى ضرب المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ من معرفة الله حجابهم".

ثم ذلك أمثلةً لحيرتهم وشكوكهم واضطرابهم وندامتهم على لسانهم ثم قال:

"كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفصولون المسبوقون الحيارى المتهوكون - أعلم بالله وأسمائه وصفاته؟؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>