[المطلب الأول: على الصعيد السياسي]
من المعلوم أن القرامطة فرقة سياسية وحركة عسكرية؛ لم تكن دولة بالمعنى الصحيح، ولكنها كانت كياناً منظماً يعتمد على البدو، ويستطيع إقلاق راحة الدول المجاورة، ويعتمد في حياته على الغارات التي يشنها على البلاد المجاورة ويغنم منها وتعود جيوشه إلى مركزها في الأحساء والبحرين.
على أن القرامطة كانوا أعداء ألداء للدولة العباسية؛ لأنها كانت دولة سنية تقف بالمرصاد لغلاة الشيعة من الباطنية. أما علاقتهم مع الفاطميين أو العبيديين فكانت علاقة مذهبية في أول الأمر. ولما أصبح العبيديون حكام مصر انقلب عليهم القرامطة وأخذوا يشنون الغارات على مصر والشام.
وهذا الموقف لا ينبغي أن ينسينا أن الحزب الواحد يتمزق ويرمى أفراده بعضُهم بعضاً بأقسى التهم وأشنعها، ومردُّ ذلك إلى التنافس على السلطة؛ فالملك عقوق عقيم، والإنسان في السلطة هو غيره في الواقع النظري، ومقتضيات السياسة شيء ومقتضيات المثل والمبادئ شيء آخر، لا سيما في الكيانات التي اتخذت الدنيا غاية تتصارع على حطامها ومتاعها.
لكنْ رغم ذلك لم تنقطع العلاقات بالكلية بين العبيديين والقرامطة؛ إذ ظل أولئك يمارسون نوعاً من الضغط والتأثير على هؤلاء؛ فعندما أغار القرامطة على مكة وسرقوا الحجر الأسود وأخذوه إلى الأحساء بقي هناك حتى أعادوه بواسطة الحاكم العبيدي عبيد الله المهدي.
لقد ظلت الدعوة القرمطية تنشط في السر إلى أن جاء أبو سعيد الجنابي، الحسينُ بن بهرام، من جنابة ببلاد فارس، فأقام في البحرين تاجراً، ثم جعل يدعو الناس إلى نِحْلته الفاسدة، فانتشرت في البحرين، كما أنشأ لها فرعاً كبيراً في الأحساء، وتبعها فئام من الناس.
وحين ظهر أمر أبي سعيد وقوي صيته قاتل بمن أطاعه مَنْ عصاه، فنزل الأحساء، ثم حاصر القطيف، وحاصر هجر عاصمة البحرين آنذاك شهوراً يقاتل أهلها، فاستولى عليها، وقتل كثيراً من الناس، وخرب المساجد وأحرق المصاحف، وفتك بالحُجاج وهاجم قوافلهم. ثم خلفه ابنه سعيد الذي سلم الأمر إلى أخيه أبي طاهر بعد ذلك، فسار هذا الأخير من البحرين، وخرب منازل الحاج وقد كانت في الأمن والعمارة كالأسواق القائمة، وأغار على مكة، وقتل وسلب ونهب، وأثخن في المسلمين.
وتذكر المصادر أن قتلاه أكثر من قتلى بابك وصاحب الزنج.
وقد ملك القرامطة كثيراً من البلدان هي: البحرين، والأحساء، والقطيف، واليمن، وعمان، وبلاد الشام، وجنوب العراق، وحاولوا احتلال مصر، لكن محاولتهم باءت بالفشل.
أما كيانهم السياسي فكان يحكمه شخص واحد هو أبو سعيد الجنابي، يعاونه في الحكم مجلس مؤلف من أتباعه المقربين، وممن تربطه بهم رابطة العقيدة القرمطية والنسب. ويذكر ابن حوقل بعض الأفراد ووظائفهم.
ولما توفي أبو سعيد الجنابي انتقلت الحكومة إلى مجلس شورى مؤلف من ستة دعاة ينظرون في القضايا والمسائل المختلفة، ويصدرون أوامرهم بالاتفاق، ولهم ستة وزراء.
المصدر:القرامطة في الخليج العربي مقال لمحمد أمحزون