للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: فصاحتهم وقوة تأثيرهم]

وقد اشتهر الخوارج بالفصاحة وقوة الأسلوب وعرض مذهبهم والدعاء إليه بصورة شيقة تجذب إليهم القلوب وتتأثر بكلامهم أيما تأثر، فلهم خطب وأشعار وأمثال ومناظرات مشهورة في كتب الأدب تتميز بفصاحتها وقوة تأثيرها، ومن أمثلة ذلك: " إن عبد الملك بن مروان أتي برجل منهم فبحثه فرأى منه ما شاء فهما وعلما، ثم بحثه فرأى منه ما شاء الله أدبا ودهيا، فرغب فيه واستدعاه إلى الرجوع عن مذهبه فرآه مستبصرا محققا، فزاده في الاستدعاء فقال له: لتغنك الأولى عن الثانية وقد قلت فسمعت فاسمع أقل، قال له: قل: فجعل يبسط له من قول الخوارج ويزين له مذهبهم بلسان طلق وألفاظ بينة ومعان قريبة، فقال عبد الملك بعد ذلك على معرفته: لقد كاد يوقع في خاطري أن الجنة خلقت لهم وأني أولى بالجهاد منهم، ثم رجعت إلى ما ثبت الله علي من الحجة ووقر في قلبي من الحق فقلت له: لله الآخرة والدنيا، وقد سلطني الله في الدنيا ومكن لنا فيها وأراك لست تجيب بالقول. والله لأقتلنك إن لم تطع" (١) الخ. وقد وصف ابن زياد أسلوب الخوارج وقوة بيانهم بقوله: "لكلام هؤلاء أسرع إلى القلوب من النار إلى اليراع " (٢).ويصفهم الشيخ أبو زهرة بقوله إنهم " اتصفوا بالفصاحة وطلاقة اللسان والعلم بطرق التأثير البياني، وكانوا ثابتي الجنان لا تأخذهم حبسة فكرية ويقول: " وكانوا يحبون الجدل والمناقشة ومذاكرة الشعر وكلام العرب، وكانوا يذاكرون مخالفيهم حتى في أزمان القتال ويقول أيضا:" وقد كان التعصب يسود جدلهم فهم لا يسلمون لخصومهم بحجة ولا يقتنعون بفكرة مهما تكن قريبة من الحق وواضحة الصواب، بل لا تزيدهم قوة الحجة عند خصومهم إلا إمعانا في اعتقادهم وبحثا عما يؤيده " (٣).

المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٢٤٥


(١) انظر: ((الكامل)) للمبرد (٢/ ١٤٦).
(٢) ((الكامل)) للمبرد (٢/ ١٥٥).
(٣) ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) (١/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>