للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثامن: النظام الحالي للدعوة الطيبية]

لقد سبق القول على غيبة الإمام الطيب وظهور الدعاة المطلقين الذين يقومون بمهام الدعوة وإرشاد الناس في الشؤون الدينية.

والداعي المطلق الحالي هو محمد برهان الدين بن طاهر سيف الدين الداعي الثاني والخمسون، وهو رجل فاضل ماهر في العلوم التأويلية والآداب العربية نثراً ونظماً يقرض الشعر بالعربية نذكر له بيتين قالهما على موت والده بعد دفنه في الروضة الطاهرة "التاج المحل السيفي".

سجدت له دأباً وأسجد دائما ... لدى قبره مستمتعاً للرغائب

لدى قبره أسجد ثم بلغ إلى أبي ... سلام ابنه في رزئه أي نائب (١)

تخرج في الجامعة السيفية وجلس على كرسي الدعوة الإطلاقية بعد موت أبيه طاهر سيف الدين سنة ١٣٨٥هوالداعي المطلق هو الذي يعين مأذوناً ومكاسراً، وكان هؤلاء الحدود يقومون بنشر الدعوة الإسماعيلية في دور الظهور ويصرفون كل الجهود في تحقيقها ومن زمان انضوت شؤون الدعوة وتركوا دعوة الناس إليها وإدخالهم فيها جهاراً (٢) ولكن الداعي الحادي والخمسين قد خطط تخطيطاً جديداً في الأمور الدعوية كما مر وسيجيء.

"والمكاسرون هم أصغر طبقة من درجات الدعاة كانت وظيفتهم أن يشككوا الناس في عقيدتهم وكانوا لا يجاوزون ذلك إلى عمل آخر، والداعي المكاسر كان يختار اختياراً خاصاً ولا يسمح له بالمكاسرة إلا بعد امتحان عسير وتجارب كثيرة. ويلقن بمسائل اختلاف المذاهب ويبرز له مواطن الضعف في كل مذهب، ثم يعلم كيف يجادل صاحب هذه الآراء وكيف يناقشه، ثم يدرب على فهم نفسية الناس وكيف يخاطب كل طائفة للاستمالة إليه.

وكان عليه أن يتظاهر أمام جمهور أهل السنة بأنه سني متعصب، ويتظاهر أمام أهل الشيعة بأنه شيعي متطرف، وأمام الصوفية بأنه من الأقطاب، وأما المسيحيين، بأنه منهم، وكذا كان يخاطب كل قوم حسب عقيدتهم ومذهبهم وعقليتهم.

ثم يأخذ السائل إلى أحد الدعاة الذين هم أرقى منه مرتبة ويصفه له المكاسر بأنه العالم الحبر الذي على يديه يزول الشك من النفس لغزارة علمه وسعة اطلاعه، فإذا رأى هذا الداعي منه إصراراً على الوصول إلى معرفة الحقيقة كاملة أحاله إلى الداعي المأذون وهو من دعاة الليل الذي يبدأ بأخذ العهود والمواثيق المؤكدة عليه بأن لا يفشي سراً ولا يطلع على آرائه أحداً من الناس، فإذا وثق به بدأ يكاشفه ببعض الأسرار الحقيقة التي لا ينزعج منها أحد. وهكذا يتدرج المستجيب بين الدعاة حتى يسمح له أخيراً بحضور مجالس داعي دعاة الجزيرة وهو كبير دعاتهم الذي كان له وحده الحق في أن يعلم الناس التأويلات الباطنية للدين والقرآن والحديث كما كان له الحق في تعليم الدعاة فلسفة الدعوة المذهبية "أي علم الحقيقة" فإن سمح للمستجيب أن يستمع إلى محاضرات داعي دعاة الجزيرة فقد هيأ نفسه بذلك لأن يكون داعياً (٣).

كان هذا هو النظام المعمول به في الدعوة الإسماعيلية عندهم في أوائل عهدهم وقد جرب هذا النظام في الهند في العهد الفاطمي، وقد حاز نجاحاً ملموساً فدخل كثير من الهنود في الإسماعيلية بجهود أمثال هؤلاء الدعاة، ولكن بعد انقضاء الدولة الفاطمية في مصر والصليحية في اليمن، تأثرت الدعوة في الهند ولم تعد ناجحة في استمالة الناس إليها أو إدخالهم فيها، وزد على ذلك أن إسماعيلية الهند لم ترغب في أي مرحلة من مراحلهم التاريخية في السياسة والدولة، فانضوت في دائرة ضيقة لم تكد أن تخرج منها.


(١) ((داعي مطلق)) (ص: ٦).
(٢) ((فاطمي دعوت إسلام)) (ص:١٩٤).
(٣) ((طائفة الإسماعيلية)) (ص: ١٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>