للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث السادس: رأي المعتزلة في القرآن ومناقشتهم]

حقيقة الكلام عند المعتزلة: هو الحروف المنظومة، والأصوات المقطعة، شاهداً وغائباً (١).وقد انتقد القاضي عبدالجبار هذا التعريف قائلاً: إن فيه إخراج لما يتألف من حرفين من أن يكون كلاماً، وفيه ضرب من التكرار؛ لأن الأصوات المقطعة هي الحروف المنظومة، ولذلك فقد عرفه بتعريف آخر، فقال: "هو ما انتظم من حرفين فصاعداً، أو ماله نظام من الحروف مخصوص" (٢).

ثانياً: خلاف المعتزلة في الكلام، هل هو جسم أم عرض، وهل هو مخلوق؟:

لقد اختلف المعتزلة في الكلام، هل هو جسم أم عرض، على أقوال، أهمها ما يلي:

القول الأول: قول بعضهم؛ أن كلام الله جسم وأنه مخلوق، وأنه لا شيء إلا جسم.

القول الثاني: رأي النظام وأصحابه: وهو أن كلام الخلق عرض؛ وهو حركة، لأنه لا عرض عندهم إلا الحركة، وأن كلام الخالق جسم، وأن ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع، وهو فعل الله وخلقه، وإنما يفعل الإنسان القراءة؛ والقراءة الحركة، وهي غير القرآن. القول الثالث: رأي أبي الهذيل، وجعفر بن حرب ومعمر، والأسكافي ومن تبعهم؛ وهو أن الكلام عرض مخلوق (٣).

من هذا العرض لخلافهم؛ يتضح أن المعتزلة قد اختلفوا في الكلام هل هو جسم أم لا؟ إلا أنهم اتفقوا على أنه مخلوق. يقول القاضي عبدالجبار: "والذي يدل على حدوث كلامه الذي ثبت أنه كلام له؛ أن الكلام على ما قدمناه لا يكون إلا حروف منظومة، وأصواتاً مقطعة، وقد ثبت - فيما هذه حاله - أنه محدث؛ لجواز العدم عليه على ما بيناه في حدوث الأعراض" (٤).

وإذا كان كلام الله مخلوقاً؛ فالقرآن - أيضاً - مخلوق، لأنه كلامه. يقول القاضي عبدالجبار - وهو يتكلم عن مذاهب الناس في القرآن -: "وأما مذهبنا، فهو أن القرآن كلام الله تعالى ووحيه، وهو مخلوق محدث .... " (٥).ويقول ابن منتويه: "وقد أطلق مشايخنا كلهم في القرآن أنه مخلوق" (٦).ويقول المقبلي - وهو يعرض اختلاف الناس في الكلام -: "والمتكلمون نظروا في كيفيته فاختلفوا ... ورتبت المعتزلة على ذلك إطلاق المخلوق على القرآن" (٧).

من هذا العرض يتضح لنا عقيدة المعتزلة في القرآن، وهو أنه مخلوق.

وقد تمسكوا في قولهم هذا بشبهات نقلية وعقلية، منها ما يلي:

الشبهة الأولى:

قال تعالى: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ... [الرعد: ١٦].

وجه الدلالة: يقول القاضي - بعد أن أورد هذه الآية-: "الآية تدل بعمومها على حدوث القرآن، وأنه تعالى خلقه ... ولا دلالة توجب إخراج القرآن من العموم، فيجب دخوله فيه" (٨).

المناقشة:


(١) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٥٢٨)، و ((نهاية الإقدام)) (ص ٣٨٨).
(٢) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٥٢٩).
(٣) ((المقالات)) (١/ ٢٦٧، ٢٦٨، ٢٦٩)، وانظر ((المعتزلة)) (ص٧٧).
(٤) ((المفتي في أبواب العدل والتوحيد)) (٧/ ٨٤).
(٥) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص٥٢٨).
(٦) ((المحيط بالتكليف)) (ص٣٣١).
(٧) ((العلم الشامخ)) (ص١٢٨).
(٨) ((المغني في أبواب العدل والتوحيد)) (٧/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>