ولاية الفقيه هي الجناح أو البدعة الثانية التي أضيفت إلى سلطة الذين يدّعون أنهم نواب الإمام " المهدي " في عصر الغيبة الكبرى، وهذه الفكرة بالمعنى الدقيق فكرة حلولية دخلت الفكر الإسلامي من الفكر المسيحي القائل: إن الله تجسد في المسيح والمسيح تجسد في الحبر الأعظم, وفي عصر محاكم التفتيش في إسبانيا وإيطاليا وقسم من فرنسا كان " البابا " يحكم المسيحيين وغيرهم باسم السلطة الإلهية المطلقة حيث كان يأمر بالإعدام والحرق والسجن وكان حراسه يدخلون البيوت الآمنة ليل نهار ليعيثوا بأهلها فساداً ونكراً، وقد دخلت هذه البدعة إلى الفكر الشيعي بعد الغيبة الكبرى وأخذت طابعاً عقائدياً عندما أخذ علماء الشيعة يسهبون في الإمامة ويقولون: بأنها منصب إلهي أنيط بالإمام كخليفة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وبما أن الإمام حيّ ولكنه غائب عن الأنظار ولم يفقد سلطته الإلهية بسبب غيبته, فإن هذه السلطة تنتقل منه إلى نوابه, لأن النائب يقوم مقام المنوب عنه في كل شيء، وهكذا أخذت فكرة ولاية الفقيه تشغل حيزاً كبيراً في أفكار فقهاء الشيعة غير أن كثيراً منهم أنكروا الولاية بالمعنى الذي نقدم ذكره وقالوا: إن الولاية خاصة بالرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم والأئمة الاثني عشر من بعده لا تنتقل إلى نواب الإمام، وإن ولاية الفقيه لا تعني أكثر من ولاية القاضي الذي يستطيع تعيين أمين على وقف لا متولي له أو نصب قيِّم على مجنون أو قاصر، ويبدو أن فكرة ولاية الفقيه مع تبني بعض فقهاء الشيعة لها لم تجد الفرصة المواتية للخروج من حيز الفكر إلى حيز العمل إلا بعد أن استلم السلطة في إيران الشاه " إسماعيل الصفوي " وهو العصر الذي عبرنا عنه بعصر الصراع الثاني بين الشيعة والتشيع.