لقد كان للفوضى الاجتماعية التي أوجدتها الباطنية في جسم المجتمع الإسلامي من أهم الأخطار العظيمة الذي هدد المسلمين في القرون الماضية وأخص بالذكر الثورات المتلاحقة على الخلافة العباسية التي أوجدت هذه الفوضى.
ومن أخطر الآفات الاجتماعية التي ظهرت في المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت انعدام الثقة بين أفراد المجتمع بل بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب الغزو الفكري الباطني لعقول الناس وخاصة الشباب منهم مما أحدث ارتباكا فكريا خلف من ورائه انحلالا اجتماعيا خطيرا ترك أثاره على تعامل الناس مع بعضهم البعض وعلى تعامل أفراد الأسرة الواحدة أيضا.
وقد ظهر هذا واضحا في أيام ظهور القرامطة والحشاشين الذين سلبوا بأفكارهم الهدامة بعض عقول الشباب المراهق غير الواعية بما يدور حولها بحث أصبح هؤلاء أداة بلا عقل ولا إرادة في يد زعماء الباطنية يحققون بها غاياتهم المريبة.
وتعطينا القصة التالية التي رواها ابن الأثير صورة واضحة للوضع الاجتماعي الخطير الذي خلفته الباطنية على أفراد المجتمع الإسلامي فيقول (ذكر عن متطبب يدعى أبا الحسين قال: جاءتني امرأة بعدما أدخل القرمطي صاحب الشامة بغداد وقالت أريد أن تعالج جرحا في كتفي فقلت ها هنا امرأة تعالج النساء فانتظرتها فقعدت هي باكية مكروبة فسألتها عن قصتها قالت كان لي ولد طالت غيبته عني فخرجت أطوف عليه البلاد فلم أره فخرجت من الرقة في طلبه فوقعت في عسكر القرمطي أطلبه فرأيته فشكوت إليه حالي وحال أخواته فقال دعيني من هذا أخبريني ما دينك فقلت أما تعرف ديني فقال ما كنا فيه باطل والدين ما نحن فيه اليوم فعجبت من ذلك وخرج وتركني ووجه بخبز ولحم فلم أمسه حتى عاد فأصلحه.
وأتاه رجل من أصحابه فسأله عني هل أحسن من أمر النساء شيئا فقلت نعم فأدخلني دارا فإذا امرأة تطلق فقعدت بين يديها وجعلت أكلمها ولا تكلمني حتى ولدت غلاما فأصلحت من شأنه وتلطفت بها حتى كلمتني فسألتها عن حالها فقالت أنا امرأة هاشمية أخذنا هؤلاء الأقوام فذبحوا أبي وأهلي جميعا وأخذني صاحبهم فأقمت عنده خمسة أيام ثم أمر بقتلي فطلبني منه أربعة أنفس من قواده فوهبني لهم وكنت معهم فوالله ما أدري ممن هذا الولد منهم. قالت فجاء رجل فقالت لي هنيه فهنيته فأعطاني سبيكة فضة وجاء آخر وآخر أهني كل واحد منهم ويعطيني سبيكة فضة ثم جاء الرابع ومعه جماعة فهنيته فأعطاني ألف درهم وبتنا فلما أصبحنا قلت للمرأة قد وجب حقي عليك فالله الله خلصيني قالت ممن أخلصك فأخبرتها خبر ابن فقالت عليك بالرجل الذي جاء آخر القوم فأقمت يومي فلما أمسيت وجاء الرجل قمت له وقبلت يده ورجله ووعدته أنني أعود بعد أن أوصل ما معي إلى بناتي فدعا قوما من غلمانه وأمرهم بحملي إلى مكان ذكره وقال اتركوها فيه وارجعوا فساروا بي عشرة فراسخ فلحقنا ابني فضربني بالسيف فجرحني ومنعه القوم وساروا بي إلى المكان الذي سماه صاحبهم وتركوني وجئت إلى هاهنا قالت ولما قدم الأمير بالقرامطة وبالأسارى رأيت ابني فيهم على جمل عليه برنس وهو يبكي فقلت لا خفف الله عنك ولا خلصك!؟ (١).
وهكذا فقد أصبح الابن جاحدا لأمه والأب لا يعترف بابنه والصديق عدوا لصديقه بعد الغزو الباطني الخطير لأفكار المسلمين.,
(١) ((الكامل في التاريخ)) ابن الأثير (٧/ ٥٢٤ - ٥٢٦).