[المبحث السادس: موقف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية]
وأما الإمام ابن تيمية رحمه الله فقد كان من أعظم الناس بياناً لحقيقة التصوف، وتتبعاً لأقوال الزنادقة والملحدين منهم وخاصة ابن عربي، والتلمساني، وابن سبعين.
فتعقب أقوالهم وفضح باطنهم وحذر الأمة من شرورهم وذلك في كتبه ومؤلفاته الكثيرة وفي فتاويه، وكذلك تتبع أقوال المخلطين منهم الذين خلطوا بين القول الطيب والقول الخبيث كالترمذي صاحب كتاب (ختم الولاية) والغزالي صاحب (إحياء علوم الدين). ولا شك أن من أعظم ما ألف الإمام ابن تيمية في هذا الصدد هو كتابة (الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان) فقد فصل فيه القول في الولاية الرحمانية وبيان صفاتها من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح، وفرق بين ذلك والولاية الشيطانية الصوفية التي تعتمد على الشعبذات والدجل، والكذب، وأكل أموال الناس بالباطل، والسماع والغناء والرقص والبدع المنكرة في الدين، والتظاهر بالصلاح والتقوى، ولقد أجاد الإمام ابن تيمية رحمه الله أيما إجادة في بيان الكرامة الرحمانية التي هي حق لولي الله، والكرامة الشيطانية التي تجري أحياناً على أيدي هؤلاء كتظاهرهم بالدخول في النيران وزعمهم أنها لا تضرهم، وحملهم الحيات والثعابين، وضربهم أنفسهم بالسيوف والسهام وغير ذلك من أنواع المخاريق التي يزعمون أنها من كراماتهم، وقد قام الإمام ابن تيمية نفسه بتحدي هؤلاء الصوفية الذين يزعمون هذه الكرامات وأنه يدخل معهم النار التي يزعمون دخولها وأنها تحرقهم إن شاء الله ولا تحرقه، شريطة أن يغسلوا أنفسهم أولاً بالخل لإزالة دهن الضفادع الذي يدهنون به أنفسهم حتى لا تؤثر فيهم النار. فلما كشف حيلهم وتحداهم وكان ذلك بمحضر السلطان تراجعوا عن ذلك وظهر كذبهم ومخاريقهم، وكان هؤلاء الصوفية من أتباع الرفاعي البطائحي (انظر مناظرة ابن تيمية لدجاجلة البطائحية الفتاوى الكبرى من ص٤٤٥ - ٤٧٦).
والمهم أن الإمام ابن تيمية كان من أعظم الرجال الذي كشفوا عوار التصوف وتتبعوا ترهاته، وما كتبه ودونه وقام به في هذا الصدد شيء يطول وصفه جداً.
المصدر:الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق - ص ٤٣٤، ٤٣٥