للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الرابع: الرد التفصيلي على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم]

هذه القصة التي قصها الله تبارك وتعالى علينا من أحسن القصص؛ كما قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ [يوسف: ٣].

وفيها أحسن مناظرة وأبينها ... قص الله علينا كيف أظهر حجة خليله، ودحض حجة أعدائه؛ فبين بطلان إلهية ما يعبدون من كواكب، ونجوم، وشمس، وقمر: بأفول ذلك، واحتجابه ..

وقد أخبر الخليل عليه السلام قومه في هذه المناظرة أن الإله الحق لا يليق به أن يغيب ويحتجب، بل لابد أن يكون شاهداً غير غائب، ككونه غالباً قاهراً غير مغلوب ولا مقهور، نافعاً لعباده، يملك لعباده الضر والنفع، فيسمع كلامه، ويرى مكانه، ويهديه ويرشده، ويدفع عنه ما يؤذيه ويضره.

وذلك ليس إلا لله وحده، المعبود بحق، وكل معبود سواه باطل .. - فهذه القصة التي قصها الله تعالى علينا في كتابه الكريم من أعظم سبل الاعتبار لتحقيق التوحيد (١).

وقد ضل في هذه القصة – كما تقدم – طوائف من المتكلمين؛ من جهمية، ومعتزلة وأشعرية، وماتريدية، وغيرهم. وأصل ضلالتهم (٢):

١ - أنهم اعتقدوا أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لما قال: هَذَا رَبِّي: عن الكوكب، والقمر، والشمس، أراد أن هذا هو الذي خلق السموات والأرض، وأنه رب العالمين.

ومرادهم من ذلك تصحيح دليل الأعراض وحدوث الأجسام عندهم؛ لأن الخليل بزعمهم استدل بحركة الكواكب، وتغيرها على حدوثها، وبالتالي على وجود المحدث لها؛ لأن كل محدث لابد له من محدث ..

٢ - أنهم اعتقدوا أن الخليل عليه السلام بقوله: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام: ٧٦] قد استدل على حدوث الكواكب بتحركها وتغيرها؛ لأن كل متحرك محدث، والمحدث لا يصلح أن يكون رباً ..

ومرادهم من ذلك نفي قيام الأفعال الاختيارية بذات الله تعالى؛ لأنها حوادث، وما قامت به الحوادث كان محلاً لها، وما كان محلاً للحوادث فهو حادث، والمحدث لا يصلح أن يكون رباً ..

المصدر:الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا – ٢/ ٤٣٨


(١) انظر: ((بغية المرتاد)) لابن تيمية (ص: ٣٥٨).
(٢) انظر: ((بغية المرتاد)) لابن تيمية (ص: ٣٥٩). و ((منهاج السنة النبوية)) له (٢/ ١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>