للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث السابع: الخلوة عند الختمية من وسائل الصوفية في طريق السير إلى الله تعالى دخول الخلوة والاعتزال عن الناس لفترة معينة يشتغلون فيها بالعبادة والذكر، والختمية شأنهم شأن غيرهم من الصوفية اهتموا بالخلوة وبينوا كيفية دخولها وما يشتغلون به فيها من أعمال، ففي الفصل الأول الذي عقده السيد / محمد عثمان الميرغني عن " كيفية الخلوة " يقول: الحمد لله الذي جعل الخلوة فيها أسرار الجلوة (١)، بمعنى أن الخلوة فيها لوائح الفتح ومحل التمكين والشطح ومنها اللوامع تزهر وإليها الكمالات تظهر "، ويفتخر الميرغني بأن خلوتهم من أعظم الخلوات إذ قل أن يدخلها إنسان إلا وتبدو له فيها سواطع الفتوحات وغالبا ثلاثا وقل أن تستعمل سبعا (٢).والخلوة بهذه الصورة الصوفية ليست من المسائل التي شرعها الإسلام فالله شرع من العبادات الإسلامية الاعتكاف وفقا لآدابه الشرعية المعروفة، كما أن الإنسان يمكن أن يعتزل الناس في فضول المباحات ويعتزل ما لا ينفع وذلك بالزهد فيه فهو مستحب، وقد قال طاووس: نعم صومعة الرجل بيته يكف فيه بصره وسمعه، كما يمكن للإنسان أن يختلي في بعض الأماكن إذا أراد اكتساب علم أو عمل بشرط أن لا يتخلف عن الجمعة والجماعة، وفقا لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الناس أفضل؟ قال رجل أخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها يتتبع الموت مظانه، ورجل معتزل في شعب من الشعاب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويدع الناس إلا من خير " (٣).وقد حاول الصوفية أن يلتمسوا سندا شرعيا لخلوتهم هذه، وزعموا أن لهم أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان يختلي في غار حراء، وقد أشار إلى ذلك محمد عثمان الميرغني في قوله: " الحمد لله الذي جعل الخلوة فيها أسرار الجلوة "، والصلاة والسلام على من اختلى في غار حراء فجاءه الفتح من الوحي بلا امتراء، وأشهد أن لا إله إلا الله القائل: قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّيَ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران: ٤١]، وأشهد أن سيدنا محمد المنزل عليه اقرأ وذلك من سر اختلائه وصار لنا كنزا " (٤).وهذا الاحتجاج غير صحيح لأن اختلاء الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار كان قبل النبوة والبعثة، ولسنا مأمورين بأن نتأسى إلا بما جاء به الشرع بعد النبوة إضافة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن جاءه الوحي لم يعتزل في ذلك الغار ولم يفعل ذلك أحد من أصحابه أو التابعين، مع أنه أقام في مكة قبل الهجرة بضعة عشرة سنة ودخل مكة في عمرة القضاء، وعام الفتح أقام بها قريبا من عشرين ليلة وأتاها في حجة الوداع وأقام بها أربع ليال، وقد ذكر ابن تيمية أن هذا كان مما يأتيه الناس في الجاهلية. ويقال إن عبد المطلب هو الذي سن لهم إتيانه لأنه لم تكن لهم هذه العبادات الشرعية التي جاء بها بعد النبوة صلوات الله عليه، كالصلاة والاعتكاف في المساجد، فهذه تغني عن إتيان حراء بخلاف ما كانوا عليه قبل نزول الوحي " (٥).وبالإضافة إلى ذلك، فإن خلوة الختمية لها طقوس خاصة لا سند لها من الشرع، كما أنها تحتوي على أوراد مبتدعة وأذكار منكرة لم يرد بها أثر.


(١) ((مجموع الأوراد الكبير)) (ص ٦٣).
(٢) ((مجموع الأوراد الكبير)) (ص ٦٤).
(٣) ((مجموع الفتاوى))، (١٠/ ٤٠٥) بتصرف.
(٤) ((مجموع الأوراد الكبير)) (ص ٦٣).
(٥) ((مجموع الفتاوى))، (١٠/ ٣٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>