للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: معتقدهم في التكاليف الشرعية]

من أبرز الفرق الغالية التي هدمت ركن التكاليف الشرعية فرقة الإسماعيلية وسائر الفرق الباطنية حيث نهجوا منهجا غريبا في بيان حقيقتها وحكمها فأسقطوها واعتبروا مزاولتها من جنس العذاب والعقاب ولذا فإن معتقدهم عن التكاليف الشرعية مبني على أمرين ...

الأمر الأول: القول بالظاهر والباطن فما من نص ورد عن الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج أو الجهاد إلا وجعلوا له معنيين المعنى الظاهر وهو ما فهمه المسلمون والمعنى الباطن وهو ما اكتشفوه واعتبروه من خواص أئمتهم. الأمر الثاني: معتقدهم عن البعث والجزاء والثواب والعقاب حيث اعتبروا مزاولة الأعمال الشرعية التكليفية عقابا وعذابا لمخالفيهم وبالمقابل فإن أتباعهم المؤمنين بدعوتهم وصلوا – بزعمهم – إلى مرتبة تحط عنهم فيها جميع التكاليف والأعمال البدنية وهذا هو خلاصة معنى الثواب والجزاء الذي يؤمنون به ومما يدل على هذين الأمرين وأنهما الأصل الحقيقي لمعتقدهم عن الشرائع الإسلامية ما نقل عنهم من تأويلات باطنية لهذه الشرائع ومعتقدات خاصة في أحكامها أما الأمر الأول فقد ألفت فيه موسوعة كبيرة تعتبر أصلا وأساسا لتأويلاتهم للتكاليف الشرعية ألفها قاضيهم المشهور بابن حيون الإسماعيلي قاضي المعز واسم هذه الموسوعة دعائم الإسلام وتقع في مجلدين وتعتبر القسم الأول أما القسم الثاني فاسمها تأويل الدعائم وتقع في ثلاثة مجلدات ولو تتبعنا ما فيها من تأويلات باطنية لشرائع الإسلام الأساسية لوجدنا هذه الموسوعة تفيض بالباطل في تأصيل التأويلات الباطنية في مذهب الإسماعيلية فالصلاة قال عنها في التأويل أن مثلها مثل الدعوة – ويقصد بذلك دعوة الإسماعيلية – والمؤذن الذي ينادي للصلاة هو الداعي الذي يدعو إلى باطن الدعوة وظاهر الصلاة إتمام ركوعها وسجودها وفروضها ومسنونها وباطنها إقامة دعوة الحق في كل عصر ويقول إن مثل الصلوات الخمس في عددها مثل الدعوات الخمس لأولي العزم من الرسل الذين صبروا على ما أمروا به ودعوا إليه وكل صلاة منها مثل لدعوة كل واحد من أولي العزم الخمسة وصلاة الظهر مثل لدعوة نوح والعصر مثل لدعوة إبراهيم والمغرب مثل لدعوة موسى والعشاء الآخرة مثل لدعوة عيسى والفجر وهي الصلاة الخامسة مثل للدعوة الخامسة – وهي دعوة خامس أولي العزم من الرسل محمد صلى الله عليه وسلم (١).وأما الزكاة فقال في تأويلها أن المراد منها الظاهري إخراج ما يجب على الأغنياء في أموالهم ودفع ذلك إلى الأئمة الذين تعبد الله عز وجل الناس بدفع ذلك إليهم وأما في الباطن فمثلها مثل الأسس والحجج الذين يطهرون الناس ويصلحون أحوالهم وينقلونهم في درجات الفضل بما يوجبه أعمالهم يكون على هذا قوله: لا صلاة إلا بزكاة يعني أنه لا تقوم الدعوة إلا بمعرفة الأسس الذين هم أوصياء النبيين والحجج الذين هم أوصياء الأئمة وحينما تحدث عن وضع الزكاة في غير موضعها قال وتأويل ذلك في الباطن أن طهارة أهل كل عصر وزمان إنما يكون عند إمام زمانهم أو عند من أقامهم ونصبهم لطهارتهم فما كان من أعمالهم التي توجب الطهارة لهم لم يجزهم دفعها إلا إلى من يلي طهارتهم وتزكيتهم (٢).

وأما الصوم فإن له معنيين أيضا: المعنى الظاهر هو المتعارف عند عامة الناس بالإمساك عن الطعام والشراب والجماع وما يجري مجرى ذلك.

وأما المعنى الباطن للصوم فهو كتمان علم باطن الشريعة من أهل الظاهر والإمساك من المفاتحة به ممن لم يؤذن له في ذلك.


(١) ((تأويل الدعائم)) للقاضي ابن حيون (١/ ١٧٧ - ١٧٩).
(٢) ((تأويل الدعائم)) للقاضي ابن حيون (٣/ ٥٨ - ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>