للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: الترغيب والترهيب]

قد يكون من بين صفوف الخوارج من لديه تطلعات للسلطة وحب للرئاسة، فينفع مع هذا الصنف استمالته وترغيبه.

ولقد حاول علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يستميل رؤوس الخوارج بالمنصب، وأن يستصلحهم بالمال وتتألف قلوبهم بذلك، لأنه إذا تابع الرأس تابع من معه، وإذا رجع وكف رجعوا وكفوا، أو أحدث خللا في صفوفهم. يروي الطبري أن علي بن أبي طالب قبل أن يفد على الخوارج بحروراء ليحاورهم سأل عن أي رؤوس الخوارج هم له إطافة وطاعة، فقيل له: يزيد بن قيس، فجاء رضي الله عنه إلى يزيد بن قيس ودخل فسطاطه، وأمره على أصبهان والري، ثم خرج حتى انتهى إلى الخوارج وهم يخاصمون ابن عباس، ثم كلمهم (١) حتى أثناهم عما هم فيه وقررهم فرجعوا معه، ودخلوا إلى الكوفة (٢).وسلك الصحابة أيضا مسلك الترهيب والتخويف لعله يجدي معهم ويكون رادعا لهم، وقد تقدم كيف أن عليا لما اصطفوا للقتال في النهروان جاءهم وهددهم وحذرهم وسفه رأيهم (٣).وكذلك لما كان في الكوفة في بداية الأمر كانوا يقاطعونه في خطبه ويقولون: لا حكم إلا لله. وفي مرة قالوها، فقال علي رضي الله عنه: "الله أكبر! كلمة حق يراد بها باطل، إن سكتوا عممناهم، وإن تكلموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم. فوثب يزيد بن عاصم من الخوارج فقال: ... يا علي أبالقتل تخوفنا! أما والله إني لأرجو أن نضربكم بها عما قليل غير مصفحات، ثم لتعلمن أينا أولى بها صليا (٤).وكان المغيرة بن شعبة قد ولي أمر قتال الخوارج لمعاوية فكان رضي الله عنه يخطب في الناس، ويتهدد الخوارج (٥).

والملاحظ أن فئة الخوارج هذه لا يجدي معها كثيرا التهديد بالقتل إذ هو شهادة في نظرهم وهو غايتهم، والمطلوب إظهار قوة المسلمين وقوة ولاة الأمر حتى يحد من خروجهم وتقمع شوكتهم، إذ هم لا يندحرون إلا بالقتال غالبا.

المصدر:الصحابة بين الفرقة والفرق لأسماء السويلم - ص٤٥٧


(١) تقدم أن الروايات تعددت وذكرت أن عليا سار إليهم وحاورهم وأن ابن عباس كذلك، وهذه الرواية توفق بين الأمرين.
(٢) انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ١١٠).
(٣) انظر ((تاريخ ابن خلدون)) (٢/ ١٨٠).
(٤) انظر ((تاريخ الطبري)) (٣/ ١١٤).
(٥) انظر ((تاريخ ابن خلدون)) (٣/ ١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>