للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني: الفرق بين الافتراق والاختلاف]

تعريف الاختلاف في اللغة:

تدور مادة خلف في اللغة حول أصول ثلاثة: ١ - أن يجيء شيء بعد شيء يقوم مقامه (١)؛ قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً [الفرقان:٦٢] فالليل يجيء بعد النهار ويقوم مقامه، والنهار يجيء بعد الليل ويقوم مقامه. وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ [الأنعام:١٦٥] أي: أمة تجيء بعد أمة وتقوم مقامها.٢ - عكس قدام (٢)؛ قال تعالى: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [البقرة:٢٥٥]، ومنه التأخر لقصور المنزلة، كما في قوله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [الأعراف:١٦٩]. ٣ - التغير؛ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: ((لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) (٣)، أي لتغير رائحة فم الصائم بسبب خلو المعدة عند الله أطيب من ريح المسك. والأصل الأول هو المقصود هنا، يقال: اختلف الناس في كذا أي: مختلفون لأن كل واحدٍ منهم ينحّي قول صاحبه ويقيم نفسه مقام الذي نحاه.

الاختلاف في الاصطلاح: أُطلقت (٤) كلمة الاختلاف في اصطلاح التدوين على العلم الذي يبحث في الاختلافات الشرعية الفقهية خاصة؛ واشتهر عندهم بعلم الخلاف وعُرِّف بأنه (٥): علم باحث عن وجوه الاستنباطات المختلفة من الأدلة الإجمالية أو التفصيلية الذاهب إلى كل منها طائفة من العلماء, ثم البحث عنها بحسب الإبرام والنقض. وعُرِّف أيضاً بأنه: علم يعرف من كيفية إيراد الحجج الشرعية ودفع الشبهة وقوادح الأدلة الخلافية بإيراد البراهين القطعية (٦).ومن التعاريف: هو منازعة تجري بين المتعارضين لتحقيق جواز إبطال باطل (٧).وعرَّفه الراغب بقوله: الخلاف والاختلاف والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الأول في فعله أو حاله (٨).

فالتعريف في الاصطلاح لم يخرج عن المعنى اللغوي ولكنه جاء خاصاً بالمقاصد الشرعية والفقهية على الخصوص فالاختلاف يكون في الفقه، والافتراق في العقيدة، ولذا يظهر إدراك الفرق بين الاختلاف والافتراق حيث يجب أن يُعنى به أهل العلم، حيث نجد بعض الدعاة وبعض شباب الصحوة الذين لم يكتمل فقههم في الدين لا يفرّقون بين مسائل الخلاف ومسائل الافتراق.

ومن هنا قد يرتب بعضهم على مسائل الاختلاف مسائل الافتراق وهذا خطأ فاحش أصله الجهل بأصول الافتراق، ومتى يكون؟ وكيف يكون؟ ومن الذي يحكم بمفارقة شخص أو جماعة ما؟ ولذا يجب ذكر بعض الفروق بين الاختلاف والافتراق ومنها (٩):

١ - إن الافتراق أشد أنواع الاختلاف بل هو من ثمار الخلاف إذ قد يصل الخلاف إلى حد الافتراق وقد لا يصل، فالافتراق اختلاف وزيادة لكن ليس كل اختلاف افتراق.


(١) ((معجم مقاييس اللغة)) (٢/ ٢١٠ - ٢١١)، ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص٣٢٢ - ٣٢٣).
(٢) انظر: ((بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز)) لمجد الدين الفيروزآبادي (٢/ ٥٦١ - ٥٦٢).
(٣) رواه البخاري (١٨٩٤)، ومسلم (١١٥١). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ((مقدمة ابن خلدون)) لابن خلدون (ص٤٢١ - ٤٢٢).
(٥) ((أبجد العلوم)) لصديق حسن خان (٢/ ٢٧٨).
(٦) ((الكليات)) (ص٧١٠ - ٧١١).
(٧) ((التوقيف على مهمات التعاريف)) (ص٣٢٢).
(٨) ((المفردات في غريب القرآن)) (ص١٥٥ - ١٥٧).
(٩) ((الافتراق)) للدكتور ناصر العقل (ص٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>