للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المطلب الأول: صفتا السمع والبصر: قال الأشاعرة في تعريف صفة البصر: "صفة أزلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات الذوات وغيرها" (١). وقالوا في تعريف صفة السمع: "صفة أزلية قائمة بذاته تعالى تتعلق بالموجودات والأصوات وغيرها كالذوات" (٢).وهذه الطريقة سلكها السنوسي- فإنه قال: "والسمع والبصر المتعلقان بجميع الموجودات (٣) ". وللسعد التفتازاني طريقة أخرى، وهي أن متعلق البصر المبصرات، ومتعلق السمع المسموعات (٤).فعلى طريقة السنوسي يكون متعلق سمع الله وبصره واحداً، فهو يسمع ما نسمع جنسه وما نبصر جنسه، ويبصر ما نبصر جنسه وما نسمع جنسه (٥).وحال الباجوري أن يوفق بين الطريقتين فقال موجهاً طريقة السعد: "ويحتمل أن مراده المبصرات في حق الله تعالى، وهي الموجودات الذوات وغيرها" (٦) فتصير طريقته كطريقة السنوسي! ثم إن الأشاعرة أثبتوا للسمع والبصر ثلاثة تعلقات:- (٧)

التعلق التنجيزي القديم: وهو التعلق بذات الله تعالى وصفاته. والتعلق الصلوحي القديم: وهو التعلق بالموجودات قبل وجودها. والتعلق التنجيزي الحادث: وهو التعلق بالموجودات بعد وجودها.

المناقشة:

ظهر من تعريف الأشاعرة لصفتي السمع والبصر الأمران الآتيان:-

الأول: اتحاد معلق السمع والبصر على طريقة السنوسي، بل وعلى طريقة السعد بجمع الباجوري.

الثاني: إنكار كون السمع والبصر صفتين ذاتيتين فعليتين فهما ذاتيتان فقط.

فقولهم باتحاد متعلق الصفتين لازمه اتحاد الصفتين، بل يلزم اندراجهما في صفة العلم إذ أثبتوا للجميع انكشافاً، ولكنهم يجيبون على ذلك بما يأتي:-

١ - إن السمع والبصر ثابتان بالشرع فقط، بخلاف العلم فإنه ثابت بالعقل.٢ - إن المدلول لغة للسمع غير المدلول لغة للبصر، وكذلك يقال في العلم، فإذا ثبت تغايرها لغة كانت متغايرة شرعاً (٨).

والجواب من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: التفريق بين الصفات باعتبار الدليل فقط غير مسلم، ذلك لأن الدليل لا يقام إلا إذا تصور المستدل المستدل عليه، وأن الدليل دال عليه، فإذا كان السمع والبصر متحدين تعلقاً ويندرجان في تعلق العلم كانت الأدلة المتنوعة التي ذكروها دليلاً على شيء واحد لا على عدة أشياء، فيعود الإلزام السابق - وهو أن السمع والبصر راجعان إلى معنى العلم فلا تثبت بذلك صفتا السمع والبصر - وقد صرح بعض الأشاعرة بالتزام ذلك، فقال المكلاتي:"وقد تردد جواب أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه في ذلك، فتارة قال: إن كونه سميعاً بصيراً هما صفتان زائدتان على كونه عالماً، وإلى هذا المذهب ذهب القاضي. وأبو المعالي وجماعة من الأشعرية، وتارة صرف كونه سميعاً بصيراً إلى كونه عالماً، وإلى هذا ذهب أبو حامد وجماعة من الأشعرية وهذا المختار عندنا" (٩)!


(١) ((تحفة المريد)) (ص: ٧٣).
(٢) ((تحفة المريد)) (ص: ٧٣).
(٣) ((أم البراهين)) للسنوسي مع شرحها (ص: ١٨).
(٤) انظر ((شرح المقاصد)) للتفتازاني (٤/ ١٣٨ - ١٣٩) و ((انظر تحفة المريد)) (ص: ٧٣). وانظر: ((التنيبه)) في (ص: ١١).
(٥) انظر ((الشرح الجديد على جوهرة التوحيد)) للعدوي (ص: ٥٧).
(٦) ((تحفة المريد)) (ص: ٧٤).
(٧) انظر ((تحفة المريد)) (ص: ٨٦) و ((شرح أم)) البراهين (ص: ١٨).
(٨) انظر ((تحفة)) المريد (ص: ٨٦).
(٩) ((لباب العقول)) للمكلاتي (ص: ٢١٣ - ٢١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>