للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث: الزّاويَةُ وَالملْبَسُ: وأما التزام الصوفية لبس الصوف لكونه شعارا وعلامة لهم فأيضا مأخوذ من رهبنة المسيحية لأنه كان زيهم الخاص بهم كما أقر بذلك الصوفي المشهور في طبقاته عن أبي العالية أنه كان (يكره للرجل زي الرهبان من الصوف، ويقول: زينة المسلمين التجمل بلباسهم (١)

ومثل ذلك نقل ابن عبد ربه في (العقد الفريد) عن حماد بن سلمة أنه قال لفرقد السنجي حينما رآه لابسا الصوف: (دع عنك هذه النصرانية (٢).

وأورد ابن الجوزي مثل هذه الرواية بسنده حيث قال:

(أخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد، حدثنا حمد بن أحمد الحداد، حدثنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا حمد بن إسحاق، حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث، حدثنا هارون بن معروف، عن ضمرة، قال: سمعت رجلا يقول: قدم حماد بن سلمة البصرة، فجاءه فرقد السنجي وعليه ثوب صوف، فقال له حماد: ضع عنك نصرانيتك هذه، فلقد رأيتنا ننتظر إبراهيم – يعني النخعي – فيخرج علينا وعليه معصفرة (٣).

وأورد أيضا رواية أخرى مسندة بطريق البخاري رحمة الله عليه قال:

أخبرنا محمد بن ناصر وعمر بن ظفر، قالا: حدثنا محمد بن الحسن الباقلاوي، حدثنا القاضي أبو العلاء الواسطي، حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد السازكي، حدثنا أبو الخير أحمد بن حمد البزار، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا علي بن حجر، حدثنا صالح بن عمر الواسطي عن أبي خالد، قال: جاء عبد الكريم أبو أمية إلى أبي العالية وعليه ثياب صوف، فقال له أبو العالية: (إنما هذه ثياب الرهبان، إن المسلمين إذا تزوروا تجملوا (٤).

ونقل الشعراني عن سهل التستري حكاية باطلة غريبة تدل على أن الصوف كان لباس أصحاب المسيح، وهذا هو نصها: أن سهل بن عبد الله التستري كان يقول:

(اجتمعت بشخص من أصحاب المسيح عليه السلام في ديار قوم عاد فسلمت عليه، فرد علي السلام، فرأيت عليه جبة من صوف فيها طراوة، فقال لي: إن لها علي من أيام المسيح، فتعجبت من ذلك.

فقال: يا سهل إن الأبدان لا تخلق الثياب، إنما يخلقها رائحة الذنوب، ومطاعم السحت، فقلت له: فكم لهذه الجبة عليك؟ فقال: لها سبعمائة سنة (٥).

وذكر السهر وردي أيضا أنه كان الصوف لباس عيسى عليه السلام فقال: (كان عيسى عليه السلام يلبس الصوف، ويأكل من الشجرة، ويبيت حيث أمسى (٦).

ومثل ذلك ذكر الكلاباذي (٧).

(وعلى ذلك قال نولدكة ونيكلسون وماسينيون إن التصوف الإسلامي أخذ لبسة الصوف من الرهبان النصارى).


(١) ((طبقات الشعراني)) (١/ ٣٥).
(٢) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (٣/ ٣٧٨) ط القاهرة ١٢٩٣ هـ.
(٣) ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي المتوفى ٥٩٦ هـ ص ٢١٩ ط دار الوعي المربى بيروت.
(٤) ((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص ٢١٩، ٢٢٠).
(٥) ((الطبقات الكبرى)) للشعراني (١/ ٧٨).
(٦) ((عوارف المعارف)) للسهر وردي (ص ٥٩) باب في ذكر تسميتهم بهذا الاسم ط دار الكتاب العربي.
(٧) ((التعرف لمذهب أهل التصوف)) لأبي بكر محمد الكلاباذي (ص ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>