[المبحث الرابع: الأحداث التاريخية والسياسية التي واكبت ظهور الحشاشين]
بدأ ظهور حركة الحشاشين في زمن كان فيه الصراع السياسي والعقائدي في أرجاء الأقاليم الإسلامية على أشده، في حين لم تعد السلطة العباسية إلا سلطة شكلية، حيث غدا نفوذها وفاعليتها خيالاً من الماضي وسراباً في المستقبل، وضاعت هيبتها نتيجة الصراعات المحتدمة بين طوائف الأمة.
أما بلاد فارس وما وراء النهر، وما يليهما إلى الشرق وإلى الجنوب، فكانت خاضعة للأتراك السلاجقة.
أما مصر وشمال أفريقيا فكانتا تحت رحمة الشيعة الفاطميين، الذين أحكموا قبضتهم على مجريات الأمور، وأصبحت الخلافة العباسية في الشرق تحسب لهم ألف حساب.
أما الأندلس فكان مسرحاً لدويلات صغيرة، قامت على أنقاض الخلافة الأموية، تسمّى زعماؤها بملوك الطوائف.
وفي المناطق الأخرى كأعالي الطرق وشمال الشام، كانت الإمارات المستقلة الخاضعة للخارجين على الخلافة، المناوشين لها.
وقد كان الصراع السياسي، والعراك العسكري والتناحر العقائدي، خاصة بين السنة والشيعة هو الطابع والروح التي سادت ذلك العصر كله.
وحتى يتسنى لنا تقديم صورة واضحة عن حركة الحشاشين وعن الدور الخطير الذي لعبته في ضوء تلك الظروف التي كانت تمر بها الخلافة الإسلامية ويمر بها العالم الإسلامي من ورائها، كان يجدر بنا أن نلقي نظرة مباشرة على البيئة السياسية والاجتماعية والتغيرات السريعة التي حدثت في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من مستوى.
لقد أفلحت الخلافة العباسية في توسيع رقعة الإمبراطورية، فخضعت لها الدول شرقاً وغرباً، ودانت لها شعوبها، وامتد ملكهم الفسيح من مراكش إلى السند، فازدادت الخلافة توسعاً، وأصبحت إمبراطورية لا تغيب عنها الشمس.
لكنَّ الضعف والانحلال بدأ يدبان في جسد الخلافة العباسية، وكانت أول علامات هذا الضعف انفصال الولايات المختلفة عن السلطة المركزية في بغداد، فعمّ الضعف وشرع سلطان الخلافة بالتفكك، وأخذت هذه الدويلات الصغيرة كل منها تنافس الأخرى وتغزوها، فاستقل الأمويون بالأندلس، والإخشيديون في مصر، في حين سيطر الفاطميون على شمال إفريقيا، وملك الحمدانيون حلب والتغور، وأصبحت العراق بيد الديلم، واستولى القرامطة على اليمامة والبحرين وبادية البصرة .. إلخ.
وعلى العموم فقد كان الواقع الإسلامي آنذاك مظهراً من أعظم مظاهر الاضطرابات تناقضت فيه حياة المسلمين العامة أشد التناقض، وسادت فيه الفوضى حتى عمّت جميع طبقات الأمة، واشتدت الضائقة الاقتصادية، وساء نظام الحكم، وكثرت الفتن المذهبية وأزهقت آلاف النفوس البريئة على مذبح النعرات الدينية والتعصب المقيت.
المصدر:أسرار فرقة الحشاشين لمحمد هادي نزار- ص ٢٠