للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثامن: الانتشار ومواقع النفوذ]

تمهيد

لما كانت حركة القرامطة قد قامت في مناطق واسعة وفي عدة بقاع فقد نسب كل قسم إلى المنطقة التي قوي نفوذه فيها فيقال قرامطة اليمن وقرامطة البحرين وقرامطة العراق على الرغم من أن قيامهم كان في وقت واحد تقريبا وبعضهم على صلة ببعض ومع هذا فلم يؤلفوا حكومة واحدة تشمل البقاع التي سيطروا عليها كلها إذ لم تكن لهم مركزية في الحكم وما ذلك الاختلاف إلا بسبب الأطماع التي كانت في ذهن كل مجموعة منهم أو كل أسرة إذ لم يكن لهم هدف واحد معين يدعون له وكل ما جمعهم إنما هو الرغبة في اتباع الهوى وإرواء الغرائز ويجب ألا ننسى هدف المحركين الأساسيين من المجوس في تهديم الإسلام ولكن لا يمكن أن يستمر هذا التوافق بين القادة والأتباع إذ إن الأهداف المختلفة لا تلبث أن تظهر التباين ويظهر قادة جدد ينفصلون في بعض الجهات فتتجزأ الحركة الواحدة إلا أن التخطيط المجوسي يستطيع أن يستغل الطرفين حيث يسير الأتباع دون تخطيط ثم يكون الخلاف من جديد وهكذا.

المصدر:القرامطة لمحمود شاكر – ص: ٤٢

قرامطة اليمن

إن أول حركة قامت للقرامطة كانت باليمن إذ استطاع (الحسين بن حوشب) الملقب بـ (منصور اليمن) أن يجمع حوله عددا من القبائل اليمنية وأن يظهر الدعوة بينهم باسم الإمام الإسماعيلي المنتظر وقد تمكن عام ٢٦٦هـ أن يؤسس أول دولة إسماعيلية أو أن الحركة قد استطاعت أن تكسبه إلى صفوفها بعد نشاط حركتها وغياب الشيعة وكان من أكبر أعوانه (علي ابن الفضل) واستطاع ابن حوشب أن يقوم بنشاط خارج اليمن وأن يرسل الدعاة إلى عدة جهات وكان من بينهم (أبو عبدالله الشيعي) الذي أرسله إلى بلاد المغرب إذ اختارها لبعدها عن مركز الدولة العباسية ولسهولة إقناع البربر بفكرته وجلبهم إلى صفوف دعوته لجهلهم وسذاجتهم الدينية بالإضافة إلى أنهم أهل قوة وعصبية فعندما يكسب بعض زعماء قبيلة ما لا يلبث أن ينضم إليه أفراد القبيلة كافة ويتحمسون لدعوتهم واستطاع أبو عبدالله الشيعي أن يكسب إلى جانبه قبيلة (كتامة) التي حملت الفكرة وعملت لها وما إن صول خبر نجاح الدعوة في المغرب إلى السلمية حتى انتقل إليها (عبدالله المهدي) الذي وضع لنفسه نسبا فاطميا وتسمى بالمهدي فادعى أنه عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن عبدالله بن محمد بن إسماعيل وتسلم الأمر ولكن لم يلبث أن اختلف مع داعيته أبي عبدالله الشيعي الذي لم يتعرف عليه إذ كان غير الذي رآه في السلمية واستطاع عبيد الله أن يتخلص من أبي عبدالله وفي الوقت نفسه تمكن من إخماد حركة قبيلة كتامة التي ارتبطت بالدعوة مع أبي عبدالله. واختلف ابن حوشب مع قائد جيشه علي بن الفضل الذي خرج عن الجادة وافتتن بالتفاف الناس حوله فحكم البلاد ودخل (زبيد) و (صنعاء) وادعى النبوة وأباح المحرمات وكان المؤذن في مجلسه (وأشهد أن علي بن الفضل رسول) (١).

خذي الدف يا هذه والعبي ... وغني هزريك ثم اطربي

تولى نبي بني هاشم ... وهذا نبي بني يعرب

لكل نبي مضى شرعة ... وهذي شريعة هذا النبي

فقد حط عنا فروض الصلاة ... وحط الصيام ولم يتعب

إذا الناس صلوا فلا تنهضي ... وإن صوموا فكلي واشربي

ولا تطلبي السعي عند الصفا ... ولا زورة القبر في يثرب (٢).

ثم امتد به عتوه فجعل يكتب إلى عماله (من باسط الأرض وداحيها ومزلزل الجبال ومرسيها علي بن الفضل إلى عبده فلان) ثم مات مسموما عام ٣٠٣هـ (٣). ولم تلبث دولة القرامطة في اليمن أن زالت.

المصدر:القرامطة لمحمود شاكر – ص: ٥٢

قرامطة العراق


(١) ((الأعلام)) للزركلي مادة علي بن الفضل.
(٢) ((إسلام بلا مذاهب)) مصطفى الشكعة (ص: ٢٢٠).
(٣) ((الأعلام)) خير الدين الزركلي مادة علي بن الفضل.

<<  <  ج: ص:  >  >>