إن الصراحة في القول والجهر بما تنطوي عليه النفس دون مراعاة أحد أو الخوف منه سواء كان حاكما أو محكوما يتمثل في أوضح صورة لدى الخوارج؛ فهم يرون أن عدم الجهر بالقول الذي يعتقده الشخص حقا ليس من صفات الرجل الواثق من عقيدته، بل هو من صفات المنافقين المرتابين، وقد كانت سيرتهم في الخروج والكفاح مثلا واضحا، لذلك كما رأينا في تاريخنا لحركات الخوارج الثورية وما ذكرناه من أمثلة شجاعتهم وصراحتهم في إعلان الخروج.
ولقد كان نافع بن الأزرق أقوى معبر عن ذلك بما ذهب إليه من تحريم التقية وما أقام على ذلك من أدلة، وإن كان هناك من أجازها مطلقا من بعض فرق الخوارج الأخرى مخالفة له في ذلك، ومن توسط في أمرها كما سنبين ذلك فيما بعد. ولقد كان الاختلاف في شأن التقية من الأسباب التي فرقت بين نافع بن الأزرق زعيم الأزارقة وبين نجدة زعيم النجدات وهما من أوائل الخوارج وأشدهم بأسا، قال الشهرستاني مبينا سبب ذلك الاختلاف بينهما:"وكان سبب اختلافهما أن نافعا قال: التقية لا تحل والقعود عن القتال كفر" – إلى أن يقول: "وخالفه نجدة وقال: التقية جائزة"(١).
وعلى أساس آراء الخوارج المختلفة في التقية منعا أو تجويزا، تختلف مواقفهم من القعدة منهم بين مخالفيهم على سبيل رفضا لقعودهم أو إقرارا لهم عليه، ولهذا فإننا نبدأ فيما يلي ببيان رأي الخوارج في التقية قبل أن نحدد مواقفهم المختلفة من القعدة.
المصدر:الخوارج تاريخهم وآراؤهم الاعتقادية وموقف الإسلام منها لغالب عواجي– ص٤٤٧