للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثاني: منهج الأشاعرة في النفي في باب الصفات]

إن الحديث عن منهج الأشاعرة في باب الصفات يعد حديثا شائكا ومتشعبا, نظرا لما مر به هذا المذهب من مراحل عديدة أثناء تطوره ..........

والملاحظة الأولية التي يخرج بها الناظر في منهج الأشاعرة في باب الصفات, أن هذه المسألة لها خصوصية نظرا لتفاوت واضطراب أقوالهم فيها.

وخلاصة هذه الأقوال:

- أن هناك صفات اتفقوا على إثباتها, وهي الصفات السبع التي يسمونها بصفات المعاني

- وهناك صفات اتفقوا على نفيها, وهي الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله عز وجل وقدرته.

- وهناك صفات اختلفوا فيها مثل الصفات الخبرية.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أهل الإثبات للصفات لهم فيما زاد على الثمانية ثلاثة أقوال معروفة: أحدها: إثبات صفات أخرى, كالرضى والغضب والوجه واليدين والاستواء, وهذا قول ابن كلاب والحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي والأشعري وقدماء أصحابه, كأبي عبد الله ابن مجاهد وأبي الحسن بن مهدي الطبري, والقاضي أبي بكر بن الطيب وأمثالهم, وهو قول أبي بكر بن فورك, وقد حكى إجماع أصحابه على إثبات الصفات الخبرية, كالوجه واليد, وهو قول أبي القاسم القشيري, وأبي بكر البيهقي, كما هو قول القاضي أبي يعلى, وابن عقيل والشريف أبي علي, وابن الزاغوني, وأبي الحسن التميمي وأهل بيته, كابنه أبي الفضل, ورزق الله وغيرهم, كما هو قول سائر المنتسبين إلى أهل السنة والحديث, وليس للأشعري نفسه في إثبات صفة الوجه واليد والاستواء وتأويل نصوصها قولان, بل لم يختلف قوله أنه يثبتها ولا يقف فيها بل يبطل تأويلات من ينفيها, ولكن أبو المعالي وأتباعه ينفونها, ثم لهم في التأويل والتفويض قولان: فأول قول أبي المعالي التأويل, كما ذكره في (الإرشاد) وآخرهما التفويض , كما ذكره في (الرسالة النظامية) وذكر إجماع السلف على المنع من التأويل وأنه محرم.

وأما أبو الحسن وقدماء أصحابه فهم من المثبتين لها. وقد عد القاضي أبوبكر في (التمهيد) و (الإبانة) له الصفات القديمة: خمس عشرة صفة, ويسمون هذه الصفات الزائدة على الثمانية الصفات الخبرية. وكذلك غيرهم من أهل العلم والسنة, مثل محمد بن جرير الطبري وأمثاله, وهو قول أئمة أهل السنة والحديث من السلف وأتباعهم, وهو قول الكرامية والسالمية وغيرهم. وهذا القول هو القول المعروف عند متكلمة الصفاتية, لم يكن يظهر بينهم غيره, حتى جاء من وافق المعتزلة على نفيها وفارق طريقة هؤلاء" (١).

فهذا النص من شيخ الإسلام ابن تيمية يبين لنا موقف المذهب الأشعري في الصفات الزائدة على الثمانية التي يثبتونها باتفاق, وأن قدماءهم كالأشعري المؤسس وتلاميذه وكبار أتباعه يثبتون صفات زائدة على الثمانية, وأن الاقتصار على الثمانية وتأويل أو تفويض ما سواها إنما هو منهج بدأ على يد أبي المعالي الجويني ومن جاء بعده, وهو الذي استقر عليه المذهب إلى الآن. وقال أيضا: "والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاب والأشعري بقايا من التجهم والاعتزال مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض وتركيب الأجسام, وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشاؤها ويختارها وأمثال ذلك من المسائل" (٢) وأما المتأخرون من الأشعرية فقد "مالوا إلى نوع التجهم, بل الفلسفة, وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل, بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع" (٣)


(١) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (٣/ ٣٨٠ - ٣٨٢).
(٢) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (٧/ ٩٧).
(٣) انظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (٧/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>