للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الأول: الهدف من دراسة الفرق]

دراستنا للفرق ليس إقراراً أو فرحاً بها، أو شماتة بالآخرين، وإنما ندرسها مع أسفنا الشديد للتفرق الحاصل بين المسلمين، والذي نرجو من وراء هذه الدراسة أن تحقق أهدافاً طيبة في خدمة الإسلام، وفي كسر حدة الخلافات التي مزقت المسلمين وفرقتهم إلى فرق وأحزاب.

والتي تهدف كذلك إلى جمع كلمتهم، ولفت أنظارهم إلى مواقع الخلاف فيما بينهم؛ ليبتعدوا عما وقع فيه من سبق من هذه الأمة، فإن الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل، فهي نوع من أنواع العلاج لتلك المآسي الحالَّة بالمسلمين، وسبب من الأسباب التي تبذل لينفع الله بها إن شاء؛ لأن معرفة الدواء النافع يتوقف على معرفة الداء.

ولا يحتاج المسلمون لجمع كلمتهم، وإعادة مجدهم وعزهم وانتصارهم على جحافل الكفر والطغيان إلا إلى العودة الصادقة والنية الخالصة، فإن الأسس التي قام عليها عز الإسلام والمسلمين فيما سبق لا تزال كما هي قائمة قوية جديدة على مر الأيام والليالي - كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

وتلك الأهداف التي نتطلع إلى تحقيقها كثيرة نذكر أهمها فيما يأتي:

١ - تذكير المسلمين بما كان عليه أسلافهم من العزة والكرامة والمنعة حينما كانوا يداً واحدة، وقلباً واحداً.

٢ - لفت أنظارهم إلى الحال الذي يعيشونه، ومدى ما لحقهم من الخسارة بسبب تفرقهم.

٣ - توجيه الأمة الإسلامية إلى الوحدة فيما بينهم، وذلك بالتركيز على ذم التفرق وبيان مساوئه، وبيان محاسن اتحاد المسلمين، وجمعهم على طريق واحد.

٤ - تبصير المسلمين بأسباب الخلافات التي مزقتهم فيما سبق من الزمان ليجتنبوها بعد أن يتدارسوها فيما بينهم بعزم قوي وصدق نية.

٥ - معرفة ما يطرأ على العقيدة الإسلامية الصحيحة من أفكار وآراء هدامة مخالفة لحقيقة الإسلام بعيدة عن طريقه الواضحة.

٦ - رصد تلك الحركات والأفكار التي يقوم بها أولئك الخارجون عن الخط السوي والصراط المستقيم؛ لتعرية دورهم الخطر في تفريق وحدة الأمة الإسلامية بتعريف الناس بأمرهم، وجلاء حقيقتهم للتحذير منهم، وبيان ما يقومون به من خدمة تلك الأفكار وترويجها. ذلك أنه ما من بلاء كان فيما سبق من الزمان إلا وهو موجود اليوم في وضوح تام؛ فلكل قوم وارث (١).

٧ - حتى تبقى الفرقة الناجية علماً يهتدى به بعيدة عن تلك الشوائب الطارئة على العقيدة.

٨ - وصل حاضر هذه الأمة بماضيها، وبيان منشأ جذور الخلافات بينهم والتي أدت إلى تفرقهم فيما مضى من الزمان للتحذير منها، وللرد على أولئك الذين يحاولون دعوة المسلمين إلى قطع صلتهم بماضيهم، والبناء من جديد كما يزعمون.

٩ - ثم إن دراستنا للفرق وإن كان يبدو عليها أنها بمثابة جمع لتراث الماضين- فإنه يراد من وراء ذلك دعوة علماء المسلمين إلى القيام بدارسته وفحصه واستخراج الحق من ذلك، واستبعاد كل ما من شأنه أن يخرج بالمسلمين عن عقيدتهم الصحيحة أو يفرق كلمتهم.

وهذا فيما أرى هو أنجح الطرق وأقربها إلى إشعار المخالفين بالإنصاف وطلب الحق للاستدلال على خلافهم وخروجهم عن الصواب من كتبهم ومن كلام علمائهم لقطع كل حجة مخالفة بعد ذلك.

والتأليف في شأن الفرق يحتاج إلى: إثبات ما نقل عن الفرقة إليها والتأكد من نسبته وأخذ ذلك من مصادره الموثوقة ثم فهمه على الوجه الصحيح ثم نقد آراء تلك الفرقة على وفق منهج أهل السنة والجماعة مع لزوم الإنصاف والصدق والتجرد عن الهوى والعصبية

وتعر من ثوبين من يلبسهما ... يلقى الردى بمذمة وهوان

ثوب من الجهل المركب فوقه ... ثوب التعصب بئست الثوبان

وتحل بالإنصاف أفخر حلة ... زينت بها الأعطاف والكتفان

واجعل شعارك خشية الرحمن ... مع نصح الرسول فحبذا الأمران (٢)

المصدر:مقدمة محقق كتاب الفوائد المجتمعة في بيان الفرق الضالة والمبتدعة لإسماعيل بن عبد الباقي اليازجي تقديم الدكتور يوسف بن محمد السعيد - ص٨ - ٩


(١) قال ولي الله الدهلوي: "إذا قرأت القرآن فلا تحسب أن المخاصمة كانت مع قوم انقرضوا، بل الواقع أنه ما من بلاء كان فيما سبق من الزمان إلا وهو موجود اليوم بطريق الأنموذج بحكم الحديث: (لتتبعن سنن من كان قبلكم) الحديث أخرجه الترمذي (جـ ٤ ص ٤٧٥).
(٢) هذه الأبيات لابن القيم في قصيدته المسماة ((الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية)) (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>