للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ثامنا: دعواتهم إلى الأمية ومحاربة التعليم]

ورغم أن هذه الجماعة زعمت أنها الجماعة الوحيدة المؤهلة لحمل رسالة الإسلام وتنفيذها، فإنها لم تعد نفسها لحمل هذه الرسالة، بل أنها دعت إلى الأمية وعدم التعلم زاعمين أنهم بذلك يتشبهون بذلك الجيل الأول الذي حمل الدعوة ومدعين أنه لا يمكن الجمع بين العلوم الشرعية والعلوم المادية أو علوم الكفار كما يقولون. ففي رسالة التوسمات، يقولون عن خصائص جماعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم تتعلم - أي الجماعة الأولى – الدين للدنيا، ولم يكونوا يتعلمون لعمارة الأرض وبناء الدور، فتلك صفة الكافرين يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم: ٧]، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يجهل أثر تأبير النخل، ويقول نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب. فلابد أن نكون مثلهم أميين نوجه كل جهدنا ووقتنا لنتعلم الكتاب والحكمة، وما دون ذلك فهو ضلال مبين. ومتى يتعلم الإسلام من أمضى أكثر من نصف عمره في تعلم الجاهلية، ومن أجل هذا نقول إن الدعوة إلى محو الأمية فكرة يهودية لشغل الناس بعلوم الكفر عن تعلم الإسلام. ووجود من يقرأ ويكتب بيننا لا ينفي أننا نحن أمة أمية نوجه كل وقتنا لتعلم الإسلام" (١).ولا شك أن هذا خلط واضح وسفسطة عرجاء، إذ أن هنك فرقاً بين القول أن الجماعة الأولى لم تتعلم الدين للدنيا، وبين القول أنها تركت التعلم أصلاً. كما أن هناك فرقاً بين أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أمياً رسولاً، الأمر الذي يعد معجزة له، وبين أن تكون الجماعة المسلمة غير متعلمة "أمية" والذي هو نقص في حقها. وقد أخطأت جماعة الهجرة فهم معنى الأمية الوارد وصفاً للرعب في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ [الجمعة: ٢]. فالأمية في هذه الآية لا تعني الشائع المقابل للثقافة والمعرفة، بل أنها مستخدمة هنا كاصطلاح مقابل للفظ "أهل الكتاب" الذين أرسلت إليهم رسالات الهية كاليهود والنصارى، بينما الأميون هم العرب الذين لم يتلقوا رسالات ولم يبعث فيهم رسول ومن ثم فلا علم لهم برسالات السماء، ويؤيد هذا قول ابن عباس: "الأميون أي العرب كلهم، من كتب منهم ومن لم يكتب، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب" (٢). وما ورد من مقابلة بين أهل الكتاب والأميين في قوله تعالى: وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران: ٢٠].

المصدر:دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين - الخوارج والشيعة – أحمد محمد أحمد جلي/ ص ١٣٣


(١) ((التوسمات))، نقلاً عن: ((الحكم بغير ما أنزل الله)) ص: ٢٣٧.
(٢) ((تفسير القرطبي: الجامع لأحكام القرآن)) أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (١٩/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>