[المطلب الثاني: الرد على استدلال المبتدعة بقصة إبراهيم الخليل عليه السلام على مذهبهم]
ومن الآيات التي زعموا أنها نص في ذلك، واستدلوا بها على تصحيح دليلهم؛ دليل الأعراض وحدوث الأجسام، وبنوا عليها مذهبهم في نفي الصفات الاختيارية عن الله جل وعلا، ونفي أن يكون الله – تعالى – جسماً: تلك التي تحدثت عن الخليل إبراهيم عليه السلام، وعن مناظرته لقومه ..
وهي قوله تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام: ٧٦ – ٧٩].
وقد أخذ المبتدعة أصحاب دليل الأعراض وحدوث الأجسام بهذه الآيات؛ سيما قول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ، زاعمين أن إبراهيم عليه السلام قد عول على الاستدلال بالتغير على الحدوث ..
وزعم المبتدعة أن الأفول: هو الحركة التي لم يخل الجسم منها ..
وأن قول الخليل عليه السلام: لا أُحِبُّ الآفِلِينَ: دليل – بزعمهم – على نفي أن يكون الله يأفل ويتغير ويزول؛ فيتحرك من مكان إلى مكان ..
وقد ختموا استدلالهم الفاسد هذا، بزعمهم أن الله تعالى صدق خليله عليه السلام في استدلاله بدليل الأعراض وحدوث الأجسام، بقوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [الأنعام: ٨٣].
فقد بنوا إذا على قصة الخليل عليه السلام:
١ - تصحيح دليل الأعراض، وجعله من الحجج الشرعية – بزعمهم – على إثبات الصانع جل وعلا ..
٢ - نفي الصفات الاختيارية عن الله جل وعلا؛ لئلا يكون الرب تبارك وتعالى محلاً للحوادث؛ فيكون حادثاً – بزعمهم.
٣ - نفي الجسمية عن الله جل وعلا؛ لحدوث الأجسام جميعها ..
- والحق أن هذه القصة ليست حجة لهم، بل هي حجة عليهم ..
ومزاعمهم كلها التي بنوها على هذه القصة لا تمت إلى الحقيقة بصلة ..
وبتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين: يتضح الردود على استدلالهم بهذه القصة، ويبدو انحرافهم عن الجادة فيما أسسوه عليها بيناً جلياً.
المصدر:الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا – ٢/ ٤٢٩