للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصرحوا - إذا - بامتناع قيام الأفعال الاختيارية بالله تعالى. وقد استندوا في ذلك إلى أصلهم: ما يقبل الحوادث لم يخل منها، وما لم يخل من الحوادث كان حادثاً (١).

ولهم مع هذه الصفات - أعني الاختيارية المتعلقة بمشيئة الله تعالى وإرادته - مسلكان؛ منهم من سلكهما معاً، ومنهم من سلك أحدهما .. وهذان المسلكان هما (٢):

"الأول": إثبات هذه الصفات، على أنها صفة أزلية قديمة مع الله تعالى، لا تتعلق بمشيئة الله وإرادته؛ فلا يتجدد له فيها حال كما يشاء.

فالرضى - مثلاً ليس بفعل يتعلق بمشيئة الله - عند هؤلاء - بمعنى أنه يرضى متى شاء على من شاء، بل هو أزلي من صفات الذات.

"الثاني" جعل مقتضى الصفة مفعولاً منفصلاً عن الله، لا يقوم بذاته ..

فالنزول - مثلاً - ليس فعلاً لازماً - عند هؤلاء -، بل يجعلونه كأفعاله المتعدية؛ من الخلق والإحسان، مفعولاً منفصلاً عنه، ويزعمون أن الله يخلق أعراضاً في بعض المخلوقات يسميها نزولاً.

وصفة الخلق - التي أحالوا الأفعال اللازمة عليها، وجعلوها مثلها - لا يثبتونها على أنها فعل يقوم بالله تعالى يتعلق بمشيئته وقدرته - جل وعلا -، بل هي مفعول منفصل عنه أيضاً؛ لأن الله - بزعمهم - خلق الخلق، فلم تحل بذاته حوادث؛ إذ الخلق هو المخلوق.

وهذا الأصل: "الخلق هو المخلوق"، أو "الفعل هو المفعول": معناه: أن صفة الخلق، أو الفعل: لم تقم بالله، ولا تقوم به جل وعلا.

ويقولون: إنه لو كان الخلق غير المخلوق: لكان؛ إما قديماً، وإما حادثاً.

فإن كان قديماً لزم قدم المخلوق.

وإن كان حادثاً، لزم أن تقوم به الحوادث.

ثم ذلك الخلق يفتقر إلى خلق آخر، .. وهكذا؛ يلزم التسلسل، وهو باطل. وهم "يفسرون أفعاله - تعالى - المتعدية؛ مثل قوله تعالى: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام: ١]، وأمثاله: أن ذلك وجد بقدرته القديمة، وإرادته القديمة، من غير أن يكون منه فعل قام بذاته .. فالقدرة القديمة، والإرادة القديمة، من غير أن يكون منه فعل قام بذاته .. فالقدرة القديمة، والإرادة القديمة هي المقتضية لحدوث كل ما حدث في وقت حدوثه، من غير تجدد أمر وجودي، بل حاله قبل أن يخلق، وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة ونسبة، وهي أمر عدمي لا وجودي" (٣).

وهذه النسبة أو الإضافة؛ كقول القائل: بيت الله، وناقة الله: إضافة تشريف، وانتساب إلى الله تعالى، من غير أن تقوم بذاته تعالى صفة.

ويعد ابن كلاب أول من قال بهذا الأصل - الخلق هو المخلوق -، بعد تلقية له عن المعتزلة كما تقدم.

وعنه أخذه تلاميذه، وعنهم أخذ أبو الحسن الأشعري الذي تكونت من أتباعه نواة مذهب الأشعرية.

المصدر:الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات والرد عليها من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لعبد القادر عطا - ٢/ ٥


(١) انظر: ((شرح حديث النزول)) لابن تيمية (ص: ١٥٨). و ((مجموع الفتاوى)) له (١٢/ ٣١٦). وكتاب ((الصفدية)) له (١/ ١٢٩). و ((الاستقامة)) له (١/ ١٦). و ((درء تعارض العقل والنقل)) له (١/ ٣٥٤ - ٣٥٥، ٥/ ١٨٦، ٢٤٥ - ٢٤٦، ٩/ ٧٢). و ((الفتاوى المصرية)) له (٦/ ٤٤٣، ٤٤٤، ٥٥٢ - ٥٥٦، ٦٤٥). و ((رسالة في الصفات الاختيارية له - ضمن جامع الرسائل والمسائل)) (٢/ ٤، ٦، ٧ - ). و ((الرسالة الأكملية في ما يجب لله من صفات الكمال)) له (ص: ٤). و ((منهاج السنة النبوية)) له (٢/ ١٠٨). و ((شرح العقيدة الأصفهانية)) له (ص: ٧٠).
(٢) انظر: ((شرح حديث النزول)) لابن تيمية (ص: ٦٣ - ٦٤). وانظره ضمن ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (٥/ ٤١١ - ٤١٢). و ((الفتاوى المصرية)) له (٦/ ٤٤٣). و ((رسالة في الصفات الاختيارية)) له - ضمن جامع الرسائل والمسائل)) (٢/ ٤).
(٣) ((شرح حديث النزول)) (ص: ٤٢). وانظره ضمن ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام)) (٥/ ٣٧٨) - وانظر كتاب ((الصفدية)) له (٢/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>