المطلب الخامس: دعوة القادرية الناسَ إلى عبادة شيخهم وطلب الحاجات منه والاستغاثة به من دون الله
لقد غفل المبتدعة عن كل السنن والضوابط التي تحفظ لهم دينهم، وتقحّموا في مهاوي الضلال والوثنية، وليت أن الأمر وقف عندهم، بل عملوا على استدراج النساء والسذَّج والبسطاء من المسلمين، حتى أصلوهم في هذه المهالك، فبعد أن زوَّقوا أوثانهم، وأحكموا بناءها-ضاربين بتعاليم نبيهم عرض الجدار- دأب أرباب الطرق وسدنة القبور والأضرحة على دعوة الناس إليها بصنوف الترغيبات فنسبوا إلى هذه الأوثان خوارق العادات، وكواشف الملمات، ليغروا الناس بالقدوم إليها والعكوف عليها، ولا زالوا يغلون فيها حتى أضفوا على مقبوريهم صفات الربوبية، من تصرف وتدبير، وخفض ورفع، وإعطاء ومنع، وتنافست الطرق في إسباغ هذه الصفات على أربابها وأوثانهم فمن ذلك ما تنسبه الطريقة القادرية إلى شيخها عبد القادر الجيلاني، قوله في قصيدة سمّوها (الوسيلة):
ضريحي بيت الله من جاء زاره
يهرول له يحظى بعزٍ ورفعة
وأمري أمر الله إن قلت كن يكن
وكلٌ بأمر الله فاحكم بقدرتي
وعاينتُ إسرافيل واللوح والرضا
وشاهدت أنوار الجلال بنظرتي
وشاهدت ما فوق السماوات كلها
كذا العرش والكرسي في طي قبضتي
وناظرٌ ما في اللوح من كل آيةٍ
وما قد رأيت من شهود بمقلةِ
ولولا رسول الله بالعهد سابقاً
لأغلقت بنيان الجحيم بعظمتي
مريدي تمسَّكْ بيْ وكن بيَ واثقاً
لأحميك في الدنيا ويوم القيامة
توسَّلْ بنا في كل هول وشدةٍ
أغيثك في الأشياء طراً بهمتي
ثم يستمر الشيخ -فيما نسبوه إليه- في إضفاء صفات الله على نفسه، ثم يصرح بحلول الله فيه واتحاده به، ويبوح بوحدة الوجود، وأنه هو الله وأنه موجود منذ الأزل، فاسمعه يقول:
وسري سرُّ الله سارٍ بخلقه
ودُقتْ لي الكاسات في الأرض والسما
ذراعي من فوق السماوات كلها
وأعلم نبات الأرض كم هو نابت
وأعلم علم الله أحصي حروفه
ملكت بلاد الله شرقاً ومغرباً
ولي نشأةٌ في الحب من قبل آدم
أنا كنت في العليا بنور محمد
أنا كنت مع نوح أشاهد في الورى
أنا كنت مع يعقوب في عشو عينه
أنا الذاكر المذكور ذكراً لذاكرٍ
أنا الواحد الفرد الكبير بذاته
فلذ بجنابي إن أردت مودتي
وأهل السما والأرض تعرف سطوتي
ومن تحت بطن الحوت أمددت راحتي
وأعلم رمل الأرض كم هو رملةِ
وأعلم موج البحر كم هو موجةِ
وإن شئتُ أفنيت الأنام بلحظتي
وسرِّي سرى في الكون من قبل نشأتي
وفي قاب قوسين اجتماع الأحبة
بحاراً وطوفاناً على كف راحتي
وما برئت عيناه إلا بتفلتي
أنا الشاكر المشكور شكراً بنعمتي
أنا الواصف الموصوف شيخ الطريقة
ولديهم استغاثة بالشيخ تسمى الاستعانة، يظهر فيها جلياً اعتقادهم أن الشيخ هو الله: "يا سلطان العارفين، يا باز الأشهب، يا فارج الكرب، ياغوث الأعظم، يا واسع اللطف والكرم، يا كنز الحقائق، يا معدن الدقائق، يا صاحب الملك والملوك، يا هاوي النسيم، يا محيي الرميم، يا مبدي جمال الله (أي هو صورة الله المصغَّرة) يا راحم الناس، يا مذهب البأس، يا مفتاح الكنوز، يا كعبة الواصلين، يا قوي الأركان، يا مجلي الكلام القديم، يا نار الله الموقدة (صح)، يا حياة الأفئدة يا مقصود السالكين، يا قاضي القضاة، يافاتح المغلقات، يا كافي المهمات، يا ضياء السماوات والأرضين، يا غافر الأوزار، يا إمام الأئمة، يا كاشف الغمة، يا من ظهر سره في الدنيا والآخرة، يا شاهد الأكوان بنظره، يا مبصر العرش بعلمه، يا قطب الملائكة والإنس والجن، ياقطب العرش والكرسي واللوح والقلم ... إلخ هذا الكفر والهذيان"إهـ. انظر (الفيوضات القادرية/١٩٤).
المصدر:حجة المؤمن على من اعتقد أن فرعون مؤمن لمنصور بن سليمان الحمدوني